يقولون: إن «عزرتموهم» معناها «منعتموهم» . ونقول: كل المعاني هنا ملتقية، فالعزر هو الرد والمنع، إما بمنع العدو عن الرسول، وإمّا أن يمنع الناس الرسول من أن يناله العدو، أو الاثنان معاً، ويجوز أيضا أن يكون معنى «عزرتموهم» هو نصرتموهم. وكذلك يجوز أن يكون معناها «وقرتموهم» ؛ لأن التعظيم والتوقير هما السبب في نصرة الإنسان للرسول.
وبعد ذلك يقول الحق:{وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً} . ويدبر الحق لنا سياسة المال، سواء للواجد أو لغير القادر، فالواجد يوضح له الحق: لا تجعل حركة حياتك على قدر حاجتك، بل اجعل حركة حياتك على قدر طاقتك، وخذ منها ما يكفيك ويكفي مَن تعول، والباقي رُدّه على مَن لم يقدر. ولو جعل كل إنسان حركة حياته على قدر حاجته، فلن يجد من لا يقدر على الحركة ما يعيش به. ولنذكر جيداً أن الحق سبحانه وتعالى قد قال:
{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[المؤمنون: ١ - ٤]
وحين قال سبحانه: والذين هم للزكاة فاعلون، ليس معناها مجرد أداء زكاة، بل تعني أن يتحركوا في الحياة بغرض أن يتحقق لهم فائض يخرجون منه الزكاة، وإلا فما الفارق بين المؤمن والكافر؟ الكافر يعمل ليقوت نفسه ويقوت من يعول وليس في باله الله، أما مزية المؤمن فهو يعمل ليقوت نفسه، ويقوت من يعول ويبقى لديه فائض يعطيه للضعيف؛ فكأن إعطاء الضعيف كان في باله ساعة الفعل. وهذا هو المقصود بقوله الحق:{والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[المؤمنون: ٤]
أي أن كل فعل للمؤمن يُقصد منه أن يكفيه ويكفي أن يزكي منه. وهناك حق آخر في المال غير الزكاة؛ بأن يسد به ولي الأمر ما يحتاج إليه المجتمع الإيماني بشرط أن يقيم ولي الأمر كل شرع الله.