لنفسك، إنما الذي يشرع لك هو الأعلى من النفس الإنسانية. والخالق يقول لك: لو علمت ما قدَّمه لك من أساء إليك لأحسنت إليه. لأنك إن أسأت إلى خلق من خلق الله فالذي يثأر ويأخذ الحق لمن أسيء إليه هو رب هذا المخلوق. ويأتي الله في صف الذي تحمل الإساءة.
إذن فإساءة العدو لك جعلت الله في صفك وفي جانبك، ألا يستحق ذلك المسيء أن نشكره؟ ألا تقول لنفسك القول المأثور: ألا تحسن إلى من جعل الله في جانبك. إذن هذا هو التشريع:{إِنَّ الله يُحِبُّ المحسنين} والإحسان هنا خرج بالترقي الإيماني عن مرحلة: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]
والإحسان أن تفعل شيئا فوق ما افترضه الله، ولكن من جنس ما افترضه الله؛ والمحسن الذي يدخل في مقام الإحسان هو من يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو سبحانه وتعالى يرى كل خلقه. ونعرف قول الحق سبحانه وتعالى:{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}[الذاريات: ١٥ - ١٦]
ما الذي جاء بالإحسان هنا؟ وتكون الإجابة:{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ}[الذاريات: ١٧]
وهل يكلف الله خلقه ألا يهجعوا إلا قليلا من الليل؟ لا. فقد كلف الله المسلم بالصلاةن وأعلمه بأنه حر بعد صلاة العشاء، وله الحق أن ينام إلى الفجر، فإن سمع أذان الفجر فليقم إلى صلاة الفجر. لكن المحسن يريد الارتقاء بإيمانه فيزيد من صلواته في الليل. ويضيف الحق مذكرا لنا بصفات المحسنين:{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات: ١٨]