وحين يأتي القرآن بقضية قرآنية فلنبحث أايدتها القضايا الكونية أم عارضتها؟ القضية القرآنية هنا هي تقطيع بني إسرائيل في الأرض أمما، أي تفريقهم وتشتيتهم ولم يقل القرآن:«أذبناهم» بل قال: «قطعناهم» وتفيد أنه جعل بينهم أوصالاً ولكنهم مفرقون في البلاد. وعندما نراهم في أي بلد نزلوا فيها نجد أن لهم حيا مخصوصا، ولا يذوبون في المواطنين أبداً، ويكون لهم كل ما يخصهم من حاجات يستلقون بها، فكأنهم شائعون في الأرض وهم مقطعون في الأرض ولكنهم أمم، فهناك «حارات» وأماكن خاصة لليهود في كل بلد.
حدث ذلك من بعد موسى عليه السلام، لكن ماذا كان الأمر في أيام موسى؟ قال لهم الحق:{ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أي بعد رحلتكم مع فرعون اذهبوا إلى الأرض التي كتبها الله لكم.
ونلحظ هنا أن كلمة «الأرض المقدسة» فيها تحييز وتحديد للأرض.
ولكن ما معنى «مقدسة» ؟ المادة كلها تدل على الطهر والتطهير. ف «قَدَّس» أي طهّر ونزّه، ومقدسة يعني مطهرة. والألفاظ حين تأتي تتوارد جميع المادة على معانٍ متلاقية. ففي الريف المصري نجد ما نسميه «القَدَس» أو «القادوس» وهو الإناء الذي يرفع به الماء من الساقية، وكانوا يستعملونه للتطهير، فالقادوس في الريف المصري هو وعاء الماء النظيف. وعندما يقال:«مقدسة» أي مطهرة.
إن من أسماء الحق «القُدُّوس» ، ويقال:«قُدِّس الله» أي نزه «، فالله ذات وليست كذات الإنسان، وله سبحانه صفات منزهة أن تكون كصفاتك، وهو سبحانه له أفعال، ولكن قدسه وطهره منزهة أن تكون كأفعالك. فذات الحق واجبة الوجود وذات الإنسان ممكنة الوجود؛ لأن ذات الإنسان طرأ عليها عدم أول، ويطرأ عليها عدم ثانٍ، وهو سبحانه واجب الوجود لذاته، والإنسان واجب لغيره وهو قادر سبحانه أن ينهي وجود العبد. ولله حياة وللإنسان حياة، لكن أحياتك أيها الإنسان كحياة الله؟ لا.
إن حياته سبحانه منزهة وذاته ليست كذاتك، وصفاته ليست كصفاتك، فأنت قادر قدرة محدودة وله سبحانه طلاقة القدرة، وهو سبحانه سميع والعبد سميع؛ لكن سمع البشر محدود وسمعه سبحانه لا حدود له.