وبشاء الحق أن تقولها سيدتنا مريم وهي صغيرة السن، وكأنها تقول ذلك كتمهيد؛ لأنها - كما قلنا سابقا - ستتعرض لمسألة لا يمكن أن يحلها إلا المُسبِّب، فسوف تلدِ بدون رُجولة، وهي مسألة عجيبة، لذلك كان لا بد أن تفهم هي وأن تنطق:{هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: ٣٧]
وكأن الحق ينبئها ضمناً بأن عليها أن تتذكّر أنها هي التي قالت هذه الكلمة؛ لأن المستقبل سوف يأتي بك بأحداث تحتاج إلى تذكُر هذا القول. وهي التي تُذكِرّ سيدنا زكريا عليه السلام بهذه الحقيقية. ولنر دِقّة إشارة القرآن إلى الموقع الذي ذكرت له مريم فيه تلك الحقيقة:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}[آل عمران: ٣٨]
كأن ساعة سمع هذه المسألة قرّر أن يدعو الله بأمنيته في المحراب نفسه. وهل كان سيدنا زكريا لا يعرف تلك الحقيقة؟ كان يعرفها، ولكن هناك فرق بين حكم يكون في حاشية الشعور، وبين حكم يكون في بؤرة الشعور.
وقول مريم لزكريا:{هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} جعل القضية تنتقل من حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور. {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ}[آل عمران: ٣٨]
لماذا لم يدعُ ربَّه من البداية؟ . كان سيدنا زكريا سائراً مع الأسباب ورتابة الأسباب قد تذهل وتُشغل عن المُسبِّب، وعندما سمع من مريم:{يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أراد أن يدخل من هذا الباب، فدعا ربه؛ وبشّره الحق بأنه سيأتي له بذريّة، وتعجّب زكريا مرّة أخرى من هذا الأمر شارحاً حالته: