فلما دخل خالد إلى عبد الملك أراد أن يجد فيه شيئاً يعيبه به، قال عبد الملك لخالد: أتكلمني في عبد الله وقد دخل عليّ آنفاً فلم يخل لسانه من اللحن؟
وقال خالد - معرضا بالوليد -: والله يا عبد الملك لقد أعجبتني فصاحة الوليد. فقال عبد الملك: إن يكن الوليد يلحن فإن أخاه سليمان لا يلحن. فقال خالد: وإن كان عبد الله يلحن فإن أخاه خالداً لا يلحن.
فقال عبد الملك: اسكت يا هذا فلست في العيرٍ ولا في النفير.
وأظن أن قصة العير والنفير معروفة. فالعير هي التي كانت مع أبي سفيان وعليها البضائع من الشام وتعرض لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم نجا بها أبو سفبان. والنفير هم الجماعة التي استنفزها أبو سفيان من مكة لأنه خاف من المسلمين وكانت زعامتهم لعتبة. فالعير كانت زعامته لأبي سفيان والنفير كانت زعامته لعتبة بن ربيعة، وكان عتبة هو جدّ خالد لأمه، وأبو سفيان هو جدّه لأبيه. فقال خالد: ومن أولى بالعير وبالنفير مني، جدّي أبو سفيان صاحب العير، وجدي عُتّبة صاحب النفير، ولكن لو قلت غنيمات وشويهات وجبيلات وذكرت الطائف ورحم الله عثمان لكان أولى.
وأسكته.
إذن. فالنفي كان أول عقاب أنزله الرسول صلّى الله عليه وسلم، فهل ما فعله «الحَكَم» يُعتبر فساداً؟ . ونقول: إن كل فساد غنما يترتب على الفساد الذي يمس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وكان الحَكَم يستهزئ بمِشية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقد يقول مُشرّع ما: إن السجن يقوم مقام النفي ونقول: لا، إن السجن الآن فيه الكثير من الرفاهية. فقد كان السجن قديماً أكثر قسوة. والهدف من السجن الإبعاد لتخفيف شرور المُفسِد وإن كان لا يبعده عن مستقره ووطنه. وذلك أمر متروك للحاكم يفعله كيف يشاء وخاصة إذا لم يكن هناك أرض إسلامية متعددة. بحيث يستطيع أن ينفيه من أرض إلى أرض أخرى.
ويتبع الحق هذا بقوله:{ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدنيا وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ}