فالأَخْذُ له أنواع مُتعددة؛ فالتاجر الذي يقف في دكانه ليبيع أي شيء، وجاء طفلٌ صغير وخطف قطعةً من الحلوى وجرى ولا يستطيع التاجر أن يطول الطفل أو أن يقدر على الإمساك به، هذا خَطْف. أما الذي يغتصب فهو الذي قهر صاحب الشيء على أن يتركه له. أما الاختلاس فهو أن يكون هناك إنسان أمين على مال فيأخذ منه، أما السرقة فهي أخذ لمال مقوَّم خفية وأن يكون في حرز مثله؛ أي يكون في مكان لا يمكن لغير المالك أن يدخله أو يتصرف فيه إلا بإذنه.
أما الذي يترك بابه مفتوحاً أو يترك بضاعته في الشارع فهو المُقصّر، فكما يأمرنا الشرع بألا يسرق أحد أحداً، كذلك يأمر بعد الإهمال، بل لابد للإنسان أن يعقل أشياءه ويتوكَّل. وسبحانه هو المُشرّع العَدْل الذي يُقيم اليقظة علىلجانبين. حدّد الشّرع السرقة بما قيمته ربع دينار. وربع الدينار في ذلك الزمن كان كفي لأن يأكل إنسان هو وعياله ويزيد، بل إن الدرهم كان يكفي أن يقيم أود أسرة في ذلك الوقت.
وكيف نقوِّم ربع الدينار في زماننا؟ . لإن كان لا يكفي لمعيشة، فيجب أن ترفع النصاب إلى ما يُعيش، ومادام الدينار كان في ذلك الزمان ذهباً؛ فربع الدينار ترتفع قيمته. وقديماً كان الجنيه الذهب يساوي سبعة وتسعين قرشاً ونصف القرش. أما الجنيه الذهب حاليا فهو يساوي أكثر من مائتين وسبعين جنيهاً، وقد يكون هناك إنسان يسرق لأنه محتاج أو جائع، ولذلك وضع الشرع له قدرا لا يتجاوزه المحتاج لحفظ حياته وحياة من يعول هو الدرهم. وسرقة الدرهم لا حد فيها كما لا إثم فيها، وذلك إذا استنفذ كل الطرق المشروعة في الحصول على القوت، ونعرف أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعطى الدرهم للرجل وقال:
«اشتر طعاماً لك ولأسرتك»
وكان الدرهم - كما قلنا - يكفي في ذلك الزمن. والدرهم جزء من اثني عشر جزءا من الدينار، فربع الدينار ثلاثة دراهم، والدرهم يساوي في زمننا هذا أكثر من عشرين جنيها.
والسطحيون يقولون: إن سيدنا عمر ألغى حَدّ السّرقة في عام الرّمادة؛ ونقول لهم: لا، لم يسقط عمر بن الخطاب الحد، فالحد باقٍ ولكنه لم يدخل الحادثة التي حصلت فيما يوجب الحد. والحادثة التي حدثت في عام الرمادة أو عام الجوع هي