وكان الآخر يعطي ولده عشرة قروش فيقول الابن له:» إنها لا تكفي شيئاً «. وشاء الحق أن يجمعنا نحن الثلاثة في مكتب وزارة الري بالزقازيق، فلما جئنا لنخرج إذا برئيس كتاب تلك المصلحة يأتي بظرف أصفر كبير به أشياء كثيرة ويناوله لواحد منهما، فسألته: ما هذا؟ فقال: بعض من الورق الأبيض وبعض من ورق النشاف وعدد من الأقلام حتى يكتب الأولاد واجبهم المدرسي. فقلت له: هذا سر خيبة أولادك الدراسية وإسرافهم والدروس الخصوصية التي تدفع فيها فوق ما تطيق وسر قول ابنك لك: إن القروش العشرة لا تكفي شيئا.
أما الشخص الآخر فابنه يقول له: لا أريد مصروف يد اليوم لأن معي خمسة قروش هي مصروف أمس ولا أريد أن آخذ دروسا خصوصية لأني أحب الاعتماد على نفسي.
وسبحانه الحق القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. ويقول لنا بلاغا:
قال أبو الجلد: «أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: قل لقومك: ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي وتظهرونها لي؟ إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي، وإن كنتم ترون أني أراكم قَلِمَ تجعلونني أهون الناظرين إليكم» .
إذن قوله الحق:{جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله} واضح تماما، ويردف الحق قوله هذا:{والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . وسبحانه عزيز لا يغلبه أحد، حتى الذي يسرق، إنما يسرق الرزق المكتوب له؛ لأن العلماء اتفقوا على أن الشيء المسروق رزق أيضا لأنه يُنتفَع به. ووالله لو صبر لجاءه وطرق عليه بابه. فإياكم أن تحتالوا على قدر الله؛ لأنه حكيم في تقديره.
وكلمة «حكيم» لها في حياتنا قصة، كنا ونحن في مقتبل حياتنا التعليمية نحب الأدب والشعر والشعراء، وبعد أن قرأنا للمعري وجدنا عنده بعضا من الشعر يؤول إلى الإلحاد، فزهدنا فيه وخصوصا عندما قرأنا قوله في قصيدته:
تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك