البلور» ، وكذلك الصفا والمروة؛ وعندما تبحث في القاموس عن كلمة «مروة» تعرف أن معنى اللفظ بعيد عن النسبة، فأول عمل للغة أن تعرف معنى الألفاظ بعيداً عن نسبتها. ومهمة القاموس أن يشرح لك معنى اللفظ بعيداً عن النسبة دون إثبات أو نفي، مثال ذلك «الجو» معناها هو ما يحيط بك من هواء أو غير ذلك، لكن القاموس لا يشرح هل الجو مُكفهر أو صافٍ أو باردٌ.
وإن تقدمنا مرحلة أخرى وأخذنا اللفظ لنصنع له نسبته، كأن نقول:«الجو صحو» ، هنا ننتقل من فهم معنى كلمة «جَوّ» ، إلى أننا نسبنا الصحو إليه. والكلام المفيد يأتي في النِسب. ولا تأتي النِسب إلا بعد معرفة معاني الألفاظ. والنِسب تعني أن ننسب شيئا إلى شيء، كأن نقول:«محمد مجتهد» هنا نسبنا لمحمد الاجتهاد، وذلك بعد أن عرفنا معنى كلمة «محمد» بمفردها، ومعنى «مجتهد» بمفردها.
إذن الكلام المفيد يتأتى في النسب. وقد تكون الإفادة بضميمة كلمة إلى ما سبقها، فعندما يسألك إنسان:«من عندك» ؟ فتقول:«محمد» ؛ هذا القول أفاد؛ لأنه انضم إلى كلمة أخرى فصار المعنى:«محمد عندي» .
إذن هناك نسب، والنسب هي أن تنسب حكماً إلى شيء إما إيجابا وإما نفياً.
والنسبة تنقسم إلى قسمين؛ نسبة واقعة، ونسبة غير واقعة. وإن كانت النسبة واقعة فهل تعتقدها؟ وهل تستطيع أن تقيم عليها دليلاً؟ إن كانت النسبة الواقعة ومقام عليها الدليل تكون علماً. وإن كانت نسبة وواقعة وأنت تعتقدها ولا تستطيع أن تدلل عليها، فهذا تقليد، مثل الطفل الذي يقلد أباه فيقول:«الله أَحد» ، والطفل في هذه الحالة لا يستطيع أن يقيم على هذه النسبة دليلاً.
إن العلم أعلى مراتب النسب لأنه نسبة معتقدة وواقعة وعليها دليل. أما إذا كانت نسبة معتقدة وغير واقعة، فهذا هو الجهل؛ لأن الجاهل هو الذي يعرف الشيء على غير وجهه الصحيح. أما الأمي فهو الذي لا يعرف شيئا ونجد صعوبة في الشرح للجاهل، مثال ذلك الذي يقول الأرض مبسوطة ويدافع عنها، إنه يقول نسبة يعتقدها، ولكنها غير الواقع لأنها كروية.