للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأوجب عليهم أن النفس بالنفس، وعلينا أن نأخذ كل أمر وما يناسبه من الحدث. أي أن النفس تُقتل بالنفس. ولكن عندما يقول الحق: {والعين بالعين} ، فهل يعني ذلك أن تقتل العين؟ لا. ولكن العين نقلع مقابل عين. وكذلك {والأنف بالأنف} . أي الأنف المجدوعة، مقابل جدع أنف أخرى. وكذلك قوله الحق: {والأذن بالأذن} أي إصابة اذن بالصمم مقابل إصابة أذن بالصمم. إذن فلكل ما يقابله. فهناك النفس تقتل بالنفس وهناك العين تفقأ بالعين، وكذلك الأمر في جدع الأنف، وصلم الأذن.

إن تعبيرات اللغة واسعة تعطي لكل وصف ما يناسبه. فالإنسان مثلاً قد يكون جائعاً. ولكن إلى ماذا؟ إن كان جائعاً لطعام فهو جوعان. وإن أراد خصوصية أكل ويشتهيه كاللحم فلا يقال له: جوعان، ولكن يقال «قَرِم» . وإن كان يشتهي اللبن يقال له: «عَيْمان» ، وإن كان في حاجة للماء يقال له: «عطشان» . وإن كان جائعاً للجنس فهو «شَبِق» .

وذلك يكشف لنا أن الإنسانية تحتاج إلى أمور متعددة، وكل أمر له اسم. وكل شيء له تعبير. ومثال آخر: يقال: فلان جلس، أي قعد. وهذا في المعنى العام. ولكن الجلوس يكون عن اضطْجاعٍ. أما قعد، فهي عن قيام، أي كان قائماً وقعد. ولذلك قال الحق: {قِيَاماً وَقُعُوداً} .

ومثال آخر: يقال: «نظر» و «رمق» و «لمح» ؛ وكل كلمة لها موقفها؛ فالنظر يكون بجميع عينيه. و «رَمِق» أي لحظ لحظا خفيفاً. و «لَمَح» أي اختلس النظر إليه. وكذلك قوله الحق معناه: أننا كتبنا عليهم فيها أن النفس مقتولة بالنفسن والعين مفقوءة بالعين، والأنف مجدوعة بالأنف، والأذن مصلومة بالأذن، والسن مخلوعة بالسن. وبعد ذلك يقول الحق عن الجروح: {والجروح قِصَاصٌ} لأن الجرح قد يكون في أي مكان. والقصاص يكون بمثله ومساوياً للشيء، وهو مأخوذ من قص الأثر؛ أي السير تبعاً لما سارت عليه القدم السابقة دون انحراف. ولما كان القصاص هو أمر مطلوب فيه المماثلة فذلك أمر صعب، صحيح أن الحق قال: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>