إننا نرى اتفاق العلماء شرقاً وغرباً في معطيات المادة التجريبية وتحاول كل بلد أن يسرق من البلد الآخر ما انتهى إليه من نتائج لتدخلها على حضارتها، بينما يختلف الأمر في الأهواء البشرية، فكل بلد يحاول أن يبعد هوى الآخر عن حدوده؛ لأن الأهواء لا تلتقي أبداً، والحق قد وضع حركة الحياة لتنفعل ب «افعل كذا» و «لا تفعل كذا» مما تختلف فيه الأهواء ليضمن اتحادنا وعدم تعاند الطاقات فينا. بل تتساند معاً. {وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ}
[المؤمنون: ٧١]
إذن فمنهج الله في كونه إنما جاء لينظم حركة الإنسان فيما تختلف فيه الأهواء. أما الحركة فيما لا تختلف فيه الأهواء فقد تركها سبحانه حرة طليقة: لأن البشر يتفقون فيها قهراً عنهم، لأن المادة لا تجامل والمعمل لا يحابي.
ولذلك قلنا: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين بعثه الله نبياً خاتماً أعطى ب «افعل ولا تفعل» . أما بالنسبة للأمر المادي المعملي فقد جعل أمره في ذات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. «فعندما قَدِمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدينة كان أهلها يأبرون النخل؛ أي يلقّحونه ليثمر. فمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقومٍ يلقحون فقال:» لو لم تفعلوا لصلح «.
فلم يأْبُروا النخل، فخرج شيصا؛ أي بُسْراً رديئاً، وخاب النخل. ومرّ بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عَزَّ وَجَلَّ «.
وفي رواية أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:
» إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيءٍ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر «