للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبحانه - لم يرد ذلك حتى لا يألف الناس العبادة وتصير كالعادة عندهم، فحينما يألف الناس أداء العبادات، فهم بذلك يحرمون لذة التكليف والإيمان، فكان لا بد أن يأتي التشريع مناسبا لكل زمان. وذلك ليفرق بين قوم وقوم ففي الصوم - على سبيل المثال - نجد أن الحق يسمح لنا بالطعام والشراب والجنس في الفترة ما بين الإفطار والسحور؛ فالحق يأتي إلى الشيء الرتيب ويأتي فيه أمر الله بالامتناع عنه لفترة زمنية معينة. ولا يقرب المؤمن هذه المحرمات في زمان معين، ولا يقرب غيرها في أي زمان ومكان. مثل شرب الخمر، أو أكل لحم الخنزير. والمؤمن لا يقرب هذه الأشياء بطبيعة اختياره. ويأتيه الصوم ليعلمه ويدربه على الانصياع للتكليف فيحرمه الحق من الطعام طول نهار شهر رمضان وكذلك الشراب والجنس.

المسألة - إذن - ليست رتابة أبداً. بل هي ابتلاء واختبار البشر {ولكن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم} والابتلاء - كما نعلم - ليس أمراً مذموماً في ذاته، هو مذموم باعتبار ما تؤول إليه نهايته، ومادام سبحانه يبتلينا فيما آتانا فيجب أن نكون حكماء وأن نتسابق إلى الخير:

{فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: ٤٨]

والتسابق إلى الخيرات إنما يكون بهدف النجاح في الإبتلاء، والنجاح يعطينا أكثر مما ننال بعدم الانصياع. إذن فالابتلاء في مصلحتنا يعطي الناجحين فيه نجاحاً أخلد، وقصارى ما يزينه الشيطان للناس أو ما تتخيله نفوس الناس، أن تمر الشهوة العابرة وتنقضي في الدنيا العابرة. وبعد ذلك يأتي العذاب المقيم. وعندما نوازن هذا الأمر كصفقة نجدها خاسرة، لكن إن نجحنا في ابتلاء الله لنا فذلك هو الفوز العظيم: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} .

أي تسابقوا في الوصول إلى الخيرات، لأن الخير إنما يقاس بعائده، فإياكم أن تفهموا أن الله حَرَمكم شهوات الدنيا لأنه يريد حرمانكم، ولكنه حرمكم بعضا من شهوات الدنيا لأنها مفسدة. وكان التحريم لزمن محدود ليعطيكم نعيم ومتع الآخرة المُصلحة في زمن غير محدود، وهذا هو كل الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>