إفرادياً. مثلما نسمع كلمة «جبل» فيقفز إلى الذهن صورة الجبل، لكن لا توجد حالة واضحة للجبل؛ لأن الكلمة لم تكن مصحوبة بحكم.
إذن فهناك معنى للفظ، ولكن هذا المعنى لا يستقل بفائدة. ولكن إن قلنا إن القاهرة مكتظة بالسكان، أو أن مرافقها متعبة، هناك نكون قد أتينا بحكم يوضح لنا ماذا نقصد بقولنا القاهرة.
إن هناك فرقا بين اللفظ حين يؤدي إلى معنى مفرد لا حكم له، وبين لفظ له حكم، ولذلك نجد العربي القديم حين يأتيه لفظ بلا حكم لم يكن لقبله. وها هوذا رجل عربي قال: أشهد أن محمداً رسولَ الله - بفتح اللام في كلمة «رسول» - وبهذا القول تكون «رسول الله» صفة لمحمد وليس فيها الخبر المطلوب. لذلك قال عربي آخر: وماذا يصنع محمدا؟ ليفلت القائل إلى أنه لم يتلق الخبر. إذن كل لفظ له معنى، وهذا المعنى مفرد ولا بد له من نسبة.
مثلما نقول لصديق:«محمد» ، ويعرف هذا الصديق محمدا، فيسألك:«وما لمحمد» ؟ وبقوله هذا إنما يطلب الخبر ليعرف ماذا حدث له أو منه، فتقول:«محمد زارني أمس» . وهكذا تكتمل الفائدة.
إذن فكل لفظ من الألفاظ المفردة له معنى حين يفرد. فإذا ما جاء الحكم تنشأ عنه النسبة. وإن كانت النسبة واقعة وبعتقدها قائلها؛ ويستطيع إقامة الدليل عليها فهذه نسبة علم؛ لأن العلم نسبة مجزوم بها وواقعة ونستطيع إقامة الدليل عليها تماما مثلما نقول:(الأرض كروية) حيث توحي الكلمة أولاً بصورة الأرض وأضفنا إليها نسبة هي «كروية» لأننا نعتقد أنها كروية والواقع يؤكد ذلك، فإذا ما جئنا بالدليل عليها فهذه نسبة علم. إذن فالعلم نسبة مُعتقَدة وواقعة وعليها دليل.
أما إذا كانت النسبة واقعة ومعتقدة ولا نستطيع التدليل عليها فذلك هو التقليد مثلما يكرر الطفل عن والده بعضاً من الحقائق ولكنه لا يستطيع إقامة الدليل عليها، إنه يقلد من يثق به، إذن فالمرحلة الأقل من العلم هي التقليد. أما إذا كان الإنسان يعتقد أن النسبة قد حدثت ولكن الواقع غير ذلك، فهذا هو الجهل، فالجهل ليس