للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن فكلمة «افتطمعون» هنا تحدد أنه يجب ألا نطمع إلا فيما نقدر عليه. هؤلاء اليهود هل نقدر على أن نجعلهم يؤمنون؟ يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. . هذا أمر زائد على ما كلفت به. . لأن عليك البلاغ، وحتى لو كان محببا إلى نفسك. . فإن مقدماتهم مع الله لا تعطيك الأمل في أنك ستصل إلى النتيجة التي ترجوها. .

وهذه الآية فيها تسرية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عما سيلاقيه مع اليهود. وتعطيه الشحنة الإيمانية التي تجعله يقابل عدم إيمان هؤلاء بقوة وعزيمة. . لأنه كان يتوقعه فلا يحزن ولا تذهب نفسه حسرات، لأن الله تبارك وتعالى قد وضع في نفسه التوقع لما سيحدث منهم. . فإذا جاء تصرفهم وفق ما سيحدث.

. يكون ذلك أمرا محتملا من النفس. .

والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله} انظر إلى الأمانة والدقة. . فريق منهم ليس كلهم. . هذا هو ما استنبط منه العالم نظرية صيانة الاحتمال. . وهي عدم التعميم بحيث تقول أنهم جميعا كذا. لابد أن تضع احتمالا في أن شخصا ما سيؤمن أو سيشذ أو سيخالف. . هنا فريق من أهل الكتاب عرفوا صفات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من التوراة والإنجيل. . وعندما بعث آمنوا به، وهؤلاء لم يحرفوا كلام الله. لو أن القرآن جاء بالحكم عاما لتغيرت نظرة الكافرين للإسلام. . ولقالوا لقد قال عنا هذا الدين أننا حرفنا كتاب الله ولكننا لم نحرفه ونحن ننتظر رسوله. . فكأن هذا الحكم غير دقيق. . ولابد أن شيئا ما خطأ. . لأن الله الذي نزل هذا القرآن لا يخفي عليه شيء ويعرف ما في قلوبنا جميعا. . ولكن لأن الآية الكريمة تقول أن فريقا منهم كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه. . الكلام بلا تعميم ومنطبق بدقة على كل حال. .

والحق جل جلاله يقول: {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} . هذه معصية مركبة سمعوا كلام الله وعقلوه وعرفوا العقوبة على المعصية ثم بعد ذلك حرفوه. . لقد قرأوه في التوراة وقرأوا وصف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى أنهم يعرفونه كأبنائهم. . ثم حرفوا كلام الله وهم يعلمون. . ومعنى التحريف تغيير معنى الكلمة. . كانوا يقولون السَّأم عليكم بدلا من السلام عليكم. . ولم يتوقف الأمر عند التحريف بل تعداه إلى أن جاءوا بكلام من عندهم وقالوا أنه من التوراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>