وفي سورة أخرى يقول الحق:{وَإِذَا لَقُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ}[آل عمران: ١١٩]
وفي سورة المائدة يقول سبحانه:{وَإِذَا جَآءُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ}[المائدة: ٦١]
هنا أربع صور من صور المنافقين. . كلها فيها التظاهر بإيمان كاذب. . في الآية الأولى {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكُمْ} وفي الآية الثانية: {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} . وفي الآية الثالثة:{عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} . وفي الآية الرابعة:{وَقَدْ دَّخَلُواْ بالكفر وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} .
إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما بعث كان اليهود يقولون للمؤمنين هذا هو نبيكم موجود عندنا في التوراة أوصافه كذا. . حينئذ كان أحبار اليهود ينهونهم عن ذلك ويقولون لهم:{أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} فكأنهم علموا صفات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولكنهم أرادوا أن يخفوها. . إن الغريب أنهم يقولون:{بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} . وإذا كان هذا فتحا من الله فلا فضل لهم فيه. . ولو أراد الله لهم الفتح لآمنت القلوب. .
قوله تعالى:{لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} يدل على أن اليهود المنافقين والكفار وكل خلق الأرض يعلمون أنهم من خلق الله، وأن الله هو الذي خلقهم.
. وماداموا يعلمون ذلك فلماذا يكفرون بخالقهم؟ {لِيُحَآجُّوكُم بِهِ} أي لتكون حجتهم عليكم قوية عند الله. . ولكنهم لم يقولوا عند الله بل قالوا {عِنْدَ رَبِّكُمْ} والمحاجة معناها أن يلتقي فريقان لكل منهما وجهة نظر مختلفة. وتقام بينهما مناظرة