صيانة لاحتمال أن يوجد الإيمان في قلب القليل منهم، وذلك لتبرئة أي إنسان يفكر في الإيمان. وهم أيضاً يسارعون في العدوان، فإذا كان الإثم هو الجُّرم على أي لون كان، فالعدوان هو إثم يأخذ به إنسان حقاً لغيره، مثال ذلك الإنسان الذي يحقد، إثمه لنفسه ولذلك يعاني من تضارب الملكات حتى يبدو وكأنه يأكل بعضه بعضاً.
إن الحقد - كما نعلم - جريمة نفسية لم تتعد الحد. ويقال عن الحقد: إنه الجريمة التي تسبقها عقوبتها، عكس أي جريمة أخرى، فأي جريمة تتأخر عقوبتها عنها إلا الحقد والحسد، فتنال عقوبة الحقد صاحبها من قبل أن يحقد؛ لأن الحاقد لا يحقد إلا لأن قلبه ومشاعره تتمزق عندما يرى المحقود عليه في خير. ولذلك يقال في الأثر:«حسبك من الحاسد أنه يغْتّم وقت سرورك» .
إذن من يرتكب إثماً في نفسه لا يتعدى أثر إثمه إلى غيره، أما الذي يرتكب العدوان فهو ينقل حق إنسان إلى غيره. وهو قسمان؛ هناك من يعتدي ليعطي حقا لغير ذي حق. وهناك من يعتدي بالسكوت على الظالم، فالظالم تتملكه شهوة الظلم، لكن من يرى الظالم ويسكت ولا ينهاه فهذا عدوان أيضاً؛ لأن الظالم عنده وفي نفسه ما يدفعه إلى أن يظلم، أما الشاهد الذي يصمت فليس عنده في نفسه ما يدفعه إلى أن يُسكته. فمن - إذن - الأكثر شراً؟ إنه الذي يصمت عن تنبيه الظالم إلى أنه يظلم.
{وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان} نلحظ أن كلمة «سارع» مثلها مثل كلمة «نافس» تدل على أن هناك أناساً في سباق؛ كأنهم يتسابقون على الإثم والعدوان، كأن الأثم والعدوان غاية منصوبة في أذهانهم، ومتفقة مع قلوبهم.
{وَأَكْلِهِمُ السحت لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} والسحت هو كل مال مصدره حرام، سواء أكان رشوة أمْ ربا أم سرقة أم اختلاساً أم خطفاً أم اغتصاباً، كل تلك الألوان وما ماثلها من السحت إنها أخذ لحق الغير. وأخذ حق الغير له صور متعددة، فإن أخذه أحد خفية فتلك هي السرقة. وإن سارع إنسان لخطف شيء من بضاعة إنسان آخر فهذا هو الخطف. وإذا لحق به صاحب البضاعة وتجاذبا وتشادَّا فهذه المجاذبة تخرج بالخطف إلى دائرة الغضب. وإن كان الإنسان أميناً على شيء وأخذه فهذا هو