للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورد الحق بعد ذلك بقوله: {كلا} .

فلا الإعطاء هنا للإكرام، ولا المنع للإهانة. فكيف يكون الإعطاء دليل الإكرام وقد يعطيك الله ولا تؤدي حق النعمة؟ وكيف يكون المنع دليل الإهانة وهو قد منعك من وسيلة انحراف؟ إذن فهو قد أعطاك بالمنع - في بعض الأحيان - أنه قد أعطاك الأبقى وهو الهداية.

إذن فمنعه أيضاً عطاء.

{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ} والناس تنظر دائماً إلى عطاء الله بعطاء الإيجاب، ولا تنظر عطاء السلب أي المنع، وهو أن يصرف عنك الحق مصرف سوء، وسبق أن ضربت المثل بالرجل الذي تحرى الحلال في مصدر ماله ويتقي الله في عمله ويأخذ دخله ويدير حركة حياته في إطار هذا الدخل، وقد يعود هذا الرجل إلى منزله فيجد حرارة الابن مرتفعة قليلاً، ولأن ماله حلال وذرات جسمه تعرف أن ماله حلال؛ لذلك يستقبل الأمر بهدوء ويعرض الابن على طبيب في مستوصف خيري بقروش قليلة، فيصف الطبيب دواء بقروش قليلة ويتم شفاء الابن.

هذا الرجل يختلف حاله عن حال رجل آخر أتى بماله من السحت، وساعة يرى حرارة ابنه قد ارتفعت نجد باله يدور بين ألف خاطر سوء، ويدور الرجل بابنه على الأطباء ولا يصدق طبيباً واحداً.

الرجل الأول رزقه الله الاطمئنان بمنع هواجس الحدَّة من قلبه وخواطره، أما الرجل الثاني فهو ينفق أضعاف ما أكله من سحت. إذن {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} أي أن هناك عطاء السلب. والعطاء الذي يحبه الإنسان هو عطاء السلب. والعطاء الذي يحبه الإنسان هو عطاء المال وهو عطاء المال وهو عطاء يذهب إلى الفانية. أما المنع فهو يمنع الإنسان من ارتكاب آثام. وبعد ذلك يأخذ الإنسان نعيمه في الآخرة. ونحن نجد كثيراً من الناس تدعو، ولكنهم لا يعلمون أن الله قد أعطى بالمنع.

يقول الحق تبارك وتعالى: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} [الإسراء: ١١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>