ويقول الحق:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يَوْمِ القيامة} . ولا يأتي قول الحق:«بينهم» إلا إذا كان هناك طائفتان، والمقصود إما الطوائف اليهودية فيما بينها، وإما طوائف النصرانية فيما بينها، أو بين اليهودية والنصرانية، خصوصاً أن هذه الآيات مستهلة بقوله الحق:{يَا أَهْلَ الكتاب} . فإذا كانت لليهود فالعداوة والبغضاء قائمة بين طوائفهم بعضها مع بعضها الآخر. وإذا كانت للنصارى فالعداوة والبغضاء حاصلان فيما بين طوائفهم، وإن كانت بين اليهود كقسم وبين النصارى كقسم فهي مسألة ممكنة. وهذه العداوة والبغضاء لا تنتهي أبداً بل هي قائمة بينهم إلى يوم القيامة.
ويقول الحق:{كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله} وهذا خبر عما وقع في حضن الإسلام، ومثال ذلك خروج «بني قينقاع» على العهد بعد أن جمعهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في سوق بني قينقاع وقال لهم:
«يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً» .
فرفضوا وقالوا: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا. فنزل فيهم قول الحق:{قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المهاد}[آل عمران: ١٢] .
فكان «بنو قينقاع» أول اليهود الذين نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وحاربوا فيما بين موقعتي بدر وأحد.
وكان سبب ذلك أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها - بضاعة - لتبيعها في سوق «بني قينقاع» ، فجلست إلى صائغ يهودي بالسوق، وحاول اليهود إجبارها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، وهي