للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن هذه المتاعب تبدأ أول ما تبدأ في النفس؛ ولأن الرسول مخاطب من الله فيمكنه أن يتحملها لأن الحق قد أعده لهذه المهمة، ومثل تلك المتاعب تأتي أيضاً للأتباع، لذلك يمدهم الله بالمدد الذي يجعلهم يتحملونها. والحق يحفظ للرسول ذاته على الرغم من كل ما يحدث: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} .

فكأن الحق يقول لرسوله: اطمئن يا محمد؛ لأن من أرسلك هداية للناس لن يخلي بينك وبين الناس. ولن يجرؤ أحد أن ينهي حياتك. ولكني سأمكنك من الحياة إلى أن تكمل رسالتك. وإياك أن يدخل في رُوعك أن الناس يقدرون عليك، صحيح أنك قد تتألم، وقد تعاني من أعراض التعب في أثناء الدعوة، ولكن هناك حماية إلهية لك. ونحن نعلم قدر المتاعب التي تعرض لها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ألم تكسر رباعيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في غزوة أحد؟ ألم يشج وجهه؟ ألم تدم أصبعه فيقول:

«إن أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت» .

لكن قول الحق سبحانه لرسوله: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} لم يكن المقصود هو منع الجهاد في سبيل الله والمعاناة في سبيل نشر الدعوة. ولكن الحق يبين لرسوله: إن أحداً غير قادر على أن يأخذ حياتك.

ولم يمنع سبحانه المتاعب عن رسوله الكريم حتى لا يكون هناك أحد الداعين إلى الله لا يتحمل من الآلام أكثر مما تحمل رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولننظر ونستمع جيداً إلى «ما ترويه عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - حول هذه الآية إنها قالت:

سهر رسول الله ذات ليلة وأنا إلى جنبه، فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: (ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة) ، فقالت: وبينما نحن في ذلك إذ سمعت صوت سلاح فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: من هذا؟ فقالوا: سعد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى سمعت غطيطه ونزلت هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>