والتكذيب هو أول نقطة في اللدد، ثم هناك من يترقى في اللدد ويخشى أن يصل البلاغ إلى قوم آخرين فيحاول أن يقتل الرسول. والتكذيب هو إنكار لقول أو فعل. أما القتل فهو إزالة لأصل الحياة. والذي يقتل هو الأكثر لدداً.
وتتجلى دقة القرآن حين يأتي الحق بصيغة الماضي، لفئة وصيغة المضارع لفئة أخرى:{فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} لأن التكذيب هو تأب من المكذِّب، أما القتل فهو تأبٍ على وجود الرسول من الذين يكذبون. والأبشع هو القتل؛ لأنه إزالة لكل أثر من آثار وجود المقتول. وجاء التكذيب في صيغة الماضي. وجاء في المسألة البشعة بصيغة المضارع.
فالحدث حين يكون بشعاً فهو يبرد بعد مرور فترة من الزمن. وهذا ما يجعل المجتمع يثور عندما تحدث جريمة بشعة، ولكن ما إن تمر عليها عشر سنوات ويصدر الحكم بقتل المجرم لا ينفعل الناس، بل منهم من يتعاطف مع المجرم. ولذلك يحذرنا الحق أن ننسخ من الأذهان صورة قتلهم للرسل، بل يجب أن نستحضر بشاعته دائما فلا نعطف على الذين قتلوا الرسل، وقد قال علماء العربية: إن التعبير بالفعل المضارع يكون لاستحضار صورة الفعل.
وساعة يأمر القاضي العادل بالقصاص من إنسان قتل إنساناً آخر، فهو لا يجعل القتل حدثاً منسياً لأنه ماضٍ، بل يستحضره في ذهنه وكأن دمه ما زال ينزف ومكان الطعنة واضحاً؛ لأنه لا يأخذ شيئاً مستوراً بالماضي، بل يأخذ شيئاً واقعاً في الحال. وكأن الحق يأمرنا باستحضار صورة ما حدث أمامنا. ومثال آخر لاستحضار الصورة: نجد الحق يقول لنا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً}[الحج: ٦٣] .
إنه أنزل الماء، لكنه يتبع ذلك:{فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً}[الحج: ٦٣] .