أما الخوارج فقد قالوا عن سيدنا علي: إنه كافر. جاء الغلو - إذن - من ناحية المحبين فجعلوه نبياً أو فوق ذلك مما يدخلهم في الشرك، أو من المبغضين القائلين بتكفيره وإخراجه من دائرة الدين، ولذلك يجب ألاّ نغلو في الدين فلا نحب إنساناً ونرفعه فوق مستوى البشر، ولا نبغض إنساناً وننزل به إلى الحضيض. بل يجب أن نعطي كل واحد قدره ومقداره الذي وضعه الله فيه؛ لأن وضع الله له هو تكريمه:{قُلْ ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السبيل}[المائدة: ٧٧] .
وجاء مثل هذا القول في آية أخرى:{ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق}[النساء: ١٧١] .
وحتى نفهم أن مسألة الغلو إنما جاءت في ادعاءات ألوهية البشر؛ قال الحق بعد ذلك:{إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}[النساء: ١٧١] .
فلا داعي للغلو بنسب الأولوهية له أو أنه ثالث ثلاثة. فإن كنتم متشككين ووصلتم إلى هذا الشك بسبب عدم عنصر الذكورة في مجيء عيسى، فافهموا أن كل الأشياء جاءت ب «كن» ؛ لأنه وإن وجُدت مقدمات للإنسان، فَرَقَّ هذه المسألة إلى واحد لم يأت من إنسال، وستصل إلى آدم وآدم من تراب؛ إذن كل الكون كلمة. وإن وجدت أسباباً فما طمره الله في الكلمة الأولى، فحين يجيء إنسان أُنشئ بكلمة فلا تقولن: إن هذا شيء عجيب؛ لأن الكون كله إنما نشأ بكلمة:{إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[يس: ٨٢] .
وإن كانت الفتنة قد نشأت في ظاهر الأمر من أن المسيح ليس له أب في عالم الإنسال وقانون التناسل، فما كان يجب أن تكون الشبهة في هذا؛ لأنه مخلوق من أم، وآدم مخلوق بلا أب ولا أم.
وكان يجب أن تكون الفتنة في آدم أكبر. والكلمة من الله تنشئ حياة. والحياة إدخال روح في مادة لتهبها الحركة والحس ومقومات