إذن كان سبب كل ذلك أنهم عرفوا أن القرآن من الحق. ونلحظ أن:«مِنْ» تتكرر في الأداء هنا. {وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرسول ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق} . ف «من» تسبق من الدمع. و «من» مدغومة في «ما» فصاروا معاً «مما و» مِن «تسبق الحق.
{تَفِيضُ مِنَ الدمع} ف» مِن «هنا هي:» مِن «الابتدائية. و» مما عرفوا «هنا» مِن «السببية أي بسبب أنهم عرفوا أن هذا القرآن منزل من الحق سبحانه. و» من الحق «للتبعيض، أي عرفوا بعضاً من الحق؛ لأنهم لم يسمعوا كل القرآن.
إذن جاءت» مِنْ «ثلاث مرات، وكل مرة لها مجال لتؤدي إلى المجموع البياني الذي يصف المظاهر الثلاثة للإدراك والوجدان والنزوع. وهذه المراتب هي مظاهر الشعور التي انتهى إليها العالم التجريبي حين أراد أن يتعرف إلى وظائف الأعضاء ومدى تغلغلها إدراكاً ووجداناً ونزوعاً.
والنزوع هو الذي يهمنا هنا، لقد قالوا:{فاكتبنا مَعَ الشاهدين} والإيمان امر يعود إليهم. أما الكتابة مع الشاهدين فهي أمر يعود على الآخرين، فكأن المؤمن ينال حظاً عالياً، إنه يؤمن لذاته، ثم من بعد ذلك يكون وعاءً ولساناً يبلغ منهج الإيمان إلى غيره لأنه لا يكون شاهداً إلا إذا كانت شهادته امتداداً لشهادة الرسول وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى:
أي إنكم يا أمة محمد أفضل أمة أخرجت للناس لا حسباً ولا نسباً ولكن اتباعاً لمنهج، ومن يتبع المنهج ب «افعل» و «لا تفعل» فهو الذي يطبق عملية الإيمان بالله. ومن أهل الكتاب من يؤمن بالله فيصير مسلماً، ولكن الكثير منهم يخرج عن حدود الإيمان. وهناك آية أخرى يقول فيها الحق: