والمناسب في الكفارة يختلف في مفهوم المفتين باختلاف الحانث، ومثال ذلك أن خليفة في الأندلس حلف يميناً وأراد أن يؤدي عن اليمين كفارة، فجاء إلى القاضي منذر بن سعيد وسأله عن كفارة هذه اليمين؛ فقال: لا بد أن تصوم ثلاثة أيام. وكان يجلس شخص آخر فأشار للقاضي إشارة فلم يعبأ القاضي منذر بن سعيد بتلك الإشارة. وخرج القاضي ومعه ذلك الشخص، فسأل القاضي: يا أبا سعيد، إن في نفسي شيئاً من فتواك؛ لماذا لم تقل للخليفة إن كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟ فقال القاضي منذر بن سعيد: أمثل أمير المؤمنين يزجر بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين؟
وهذا يدلنا على أن القاضي منذر بن سعيد قد أجهد نفسه ليختار الكفارة التي تزجر. وهذا يعلمنا أن الكفارة في جانب منها زجر للنفس وفي جانب آخر جبر للذنب. وقد رجح القاضي منذر بن سعيد جانب الزجر على جانب جبر الذنب؛ لأن الخليفة لن يرهقه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق أكثر من رقبة.
وفي الإطعام لعشرة مساكين من أواسط ما نطعم به الأهل، قد يقول قائل: هل الأوسطية هنا للكمية أو الكيفية؟ ونقول: يراعى فيها الكمية والكيفية. فإن كانت وجبة الإنسان مكونة من رغيف واحد فليعرف أن مِن أهله من يأكل في الوجبة الواحدة ثلاثة أرغفة فيكون الأوسط في مثل هذه الحالة رغيفين مع ما يكون من أدم كلحم ودسم. وكذلك الكسوة؛ أن يكسو الإنسان الذي يكفر عن يمين عشرة مساكين بما يستر العورة وتصح به الصلاة؛ كإزار ورداء أو قميص وعمامة، أو أي ملابس تسترهم. وها نحن أولاء نجد أن كفارة تحرير رقبة تأتي في المرتبة قبل الأخيرة ويأتي بعدها قول الحق:{فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} . إذن فالحق لم يرتب الكفارة وإنما علينا أن نختار منها الكفارة الملائمة.
ويأتي الحق من بعد ذلك بالقول:{واحفظوا أَيْمَانَكُمْ} والحفظ هو عدم التضييع. أما كيف نحفظ أيماننا؟ فنقول: إن على الإنسان ألا يجري اليمين على لسانه، هذه واحدة. والثانية: أن يحاول الإنسان ألا يحنث في اليمين.