وإن خرج نهاني ربي لم يفعل. أما أن خرج القدح الغفل فهو يعيد ضرب القداح حتى يخرج أحد القدحين: إما الذي يحمل الأمر، وإما الذي يحمل النهي. ولم يتساءل أحد لماذا عندما يخرج القدح الغفل لا يعتبر أن هذا أمر خارج عن نطاق التحريم. ويؤخذ على أنه إباحة واختيار يعمل أو لا يعمل. لقد أنساهم الحق ذلك حتى يدلنا على أن ذلك أمر كاذب جاء به الكهنة من عندهم. فإن سألهم سائل: من الإله الذي أمر ونهى؟ هنا يقول القائل منهم: الله هو الذي أمر وهو الذي نهى. (والله يعلم إنهم لكاذبون) .
والحق سبحانه وتعالى حين ينهانا عن تلك الأمور فهو يريد للإنسان أن ينمي ملكة الاختيار بين البدائل. وعلى الإنسان أن يستنبط وأن يحلل وأن يعرف المقدمات فيدرسها ويحلل الخطوات ليصل إلى النتائج. لا أن يعطل القوة المدركة التي تختار بين البديلات، فالخمر تستر العقل، وكذلك الميسر يضع الإنسان بين فكي الوهم، وكذلك الأنصاب تعطل القدرة على السعي والرضوخ للكهنة. وعندما تسأل شارب الخمر: لماذا تشربها؟ يجيب: إنني أريد أن أستر همومي. وستر الهموم.
لا يعني إنهاءها. ولكن مواجهة الهموم هي التي تنهي الهموم بالأسباب المتاحة للإنسان. فإن لم تقو أسبابك فالجأ إلى المسبب في إطار قول الحق:{أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ}[النمل: ٦٢] .
وعندما تستنفد أسبابك وتلجأ إلى الله فهو يعينك على الأمر الشاق المسبب للهموم. ولنا في الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ القدوة. فقد كان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة. ومعنى «حزبه» أي خرج عن نطاق أسبابه. ولذلك كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يلجأ إلى رب الأسباب. وقد نجد من يقول: إنني أدعو الله كثيراً ولكنه لا يستجيب لي.
ونقول: إما لأنك قد دعوت في غير اضطرار، وإما لأنك لم تلفت إلى الأسباب، وأنت حين تتجنب الأسباب فأنت ترفض يد الله الممدودة لك بالأسباب. وأنا أتحدى أن يوجد مضطر أنهى الأسباب، ولا يأتي له الفرج. وأنت حين تدعو بحاجة وتتأخر عليك، نقول لك: إنك دعوت بغير اضطرار.