يتلقوا منه الحكم. فالأيمان بوحدانية الله هو قمة العقيدة التي لا هوادة فيها.
لكن في الأمور التي تتعلق بالأحكام، فالأحكام تُغيِّر أوضاعاً عرفية وأوضاعاً اجتماعية متداولة بين الناس. فإذا أراد الله أن يغير عادة بحكم فهو يأتي بهذه المسألة تدريجا؛ لأنه سبحانه وتعالى يتلطف مع خلقه برحمته.
ومثال ذلك: كان الرجل يملك المال فلا يعطي أباه ولا أمه، إنما يعطي المال لأولاده؛ لأنه يعرف أن والده منته وسيموت قريبا، وأن الابن هو الذي يستقبل الحياة، ولذلك فالابن يأخذ كُلَّ المال. هنا قال الحق: لا، إنك أنت يا صاحب المال قد تموت قبل أبيك فاترك له شيئاً. {إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ}
[البقرة: ١٨٠] .
لقد أراد أن يخرجهم من عدم العطاء إلى الوصية التي تكون منهم. وبعد أن استقرت الأحكام، قرر الحق للوالدين نصيباً من الميراث. إذن جاء الأمر أولاً بتلطف في الخروج عن حكم الإلف والعادة والعرف؛ حتى لا يخرجهم إخراجاً قسرياً. والحق سبحانه وتعالى لا يريد أن يجعل المال دُولة بين الأغنياء فحسب أي يتداولوه دون غيرهم، بل يريد أن يجعل المال دولة بين الناس. لذلك جاء الميراث.
إننا عندما نحسب ميراث ألف فدان مثلا نجده قد ذاب وتقلص وتناثر خلال ثلاثة أجيال إلى فدانين وخمسة أفدنة. وهذا تدرج أجيالي لا قسري. حتى يرتب الإنسان حياته وحياة أبنائه، فيترك المالك لأولاده ميراثاً وخيراً ليديروا العمل فيه. أما الذي لا يملك فهو يعطي لأبنائه حرفة أو وظيفة. لذلك يذيب الدِّيُن المسألةَ المالية والعقارية أو الإقطاع كما يقولون، لا بالقسر حتى لا تحدث للمجتمع هزة حقد أو هزة توتر؛ لأن الذي جمع ماله من عرقه ومن اجتهاده ساعة يرى المال قد خرج منه إلى من لم يعرق ومن لم يجد، فهو يحقد، والحق يقول:{وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}[محمد: ٣٦ - ٣٧] .