وسبحانه وتعالى العالم بكل شيء قبل أن يحدث. لكن هناك فرق بين علم وعلم، وإن علم الله أزلي لا يتخلف، ولكن هذا العلم ليس حجة على الناس؛ لأن الحجة على الناس هو ما يقع منهم فعلاً، ولذلك كان الابتلاء.
وأسوق هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إن الوالد قد ينظر إلى أحد أبنائه ويقول: أنه يلعب طول السنة ومن الأفضل ألا ندخله الامتحان؛ لأنه سوف يرسب. ولا يدخل الابن الامتحان، ولكن الوقاحة قد تصل به إلى الحد الذي يقول فيه: لو كنت دخلت الامتحان لكنت من الناجحين. ولو كان والده أدخله الامتحان ورسب، لكان هذا الرسوب حجة عليه.
إذن فعلم الحق لا يلزمنا الحجة، إنما العلم الواقعي هو الذي يلزمنا بها.
وقد حدثت هذه الابتلاءات في النبوّات كثيراً. ومثال ذلك ابتلاء الحق لليهود بتحريم الصيد يوم السبت، فكان الحيتان تأتي في هذا اليوم مشرعة وكأنها تلح عليهم أن يصطادوها. وفي الأيام الأخرى لا تأتي الحيتان، فيحتالون لعصيان الأمر باختراع نوع من الشباك السلكية تدخل فيها الحيتان، وتطل محبوسة فيها إلى يوم الأحد فيأخذونها. وتكون حيلتهم هي دليل الغباء منهم؛ لأن الصيد قد تم بالنية والعمل والاستعداد المسبق. وكان الابتلاء في الإسلام بشيء من الصيد. {لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . وقد علمنا من قبل قوله الحق:{تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا}[البقرة: ٢٢٩] .
فإن كانت المسائل مأمورات فعلينا أن ننفذها. وإن كانت نواهي فيجب ألا نقربها حتى لا نقع فيها فتكون حجة علينا؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول:«الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه»