فقد حدث أن رجلاً مسلماً اسمه بديل بن أبي مريم مولى العاص بن وائل السهمي، كان على سفر مع غير مسلمين وحضرت له مقدمات الموت فكتب ورقة ووضعها مع كل ما معه من متاع - احتياطياً - ونادى على اثنين من غير المسلمين وهما تميم الداري وعدّي بن بدّاء، وأوصاهما أن يسلما متاعه لأهله، ومات الرجل. لكنَّ الاثنين فتحا المتاع ووجدا فيه إناءً مفضضاً ومُذَهَّبا وله قيمة، فأخذاه وباعاه بألف درهم واقتسما المبلغ، وسلما المتاع لأهل الميت الذين عثروا على الورقة المكتوب فيها كل التفاصيل بما فيها خبر الإناء الثمين. وسأل أهل الميت الشخصين اللذين سلما المتاع عن الإناء فأنكرا أي معرفة به. وأنكرا أيضاً أنها رأيا صاحب الإناء يبيعه. وبعد فترة عثر أهل الميت على الإناء معروضاً للبيع. وعرفوا أن البيع الأول كان من الشخصين اللذين حضرا موت صاحب الإناء. فذهب أهل الميت إلى رسول الله يعرضون عليه مسألة خيانة الأمانة في أمر الوصية، فنزل قوله الحق:{يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت حِينَ الوصية اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرض فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الموت تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة فَيُقْسِمَانِ بالله إِنِ ارتبتم لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآثمين}[المائدة: ١٠٦] .
إنه أمر من الله لرسوله أن يحضر هذان الاثنان من بعد أن يؤديا صلوات دينهما وأن يقسما بالله، وأن يأتي أهل الميت ومعهم الورقة وليكشف الرسول الحق من الباطل. وقد أسلم تميم الداري من بعد ذلك وقص القصة وأحضر الخمسمائة درهم التي كانت في ذمته والتي أخذها ثمنا لنصف الإناء وأحضر الخمسمائة درهم الأخرى التي عند عدي ليرد ثمن الإناء كله إلى أهل الميت.
ولماذا قال الله:{تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة} ؟ . إنه أمر بأن نحتجزهم من بعد الصلاة؛ لأن الإنسان عادة بعد أن يؤدي الصلاة سواء أكان من أهل الكتاب أم من غيرهم تصفو نفسه بالاستعداد للصدق بعد أن وقف بين يدي الله، ويكون في هذه الحالة أقل اجتراءً على الكذب؛ لذلك يقول الحق سبحانه:{يِا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} .