للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم: ٣٠ - ٣٣] .

قال عيسى عليه السلام في المهد هذه الكلمات ليبرئ أمه الصدِّيقة، ذلك أنهم اتهموها في أعز شيء لديها، ولذلك لم يكن ليجدي أي كلام منها. وإنقاذاً لها أبلغها الحق عن طريق جبريل أو عيسى عليهما السلام أن تقول: {إِنِّي نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليوم إِنسِيّاً} [مريم: ٢٦] .

وسبحانه وتعالى يعلم أن ميلاد عيسى من أم لم يمسسها رجل هو خرق لناموس الكون في الحمل، وكذلك أراد الحق أن يكون هناك خرق للناموس في الكلام فيتكلم عيسى في المهد بكلام معجز له معنى. وعلمه الحق الكتاب: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب} أي علمه الله الكتابة، وعلمه التوراة، وأنزل عليه الإنجيل، وألهمه الحكمة وهي الكلام المحكم الصواب بإلهامات الله ومقابلها في الإسلام أحاديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

وجاءت دقة الأداء القرآني لتمنع أي تصور لتدخل من ذات عيسى فيما أجراه الله على يديه وذلك منعاً للفتنة فقال الحق: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير} إذن فعيسى لا يخلق الطير ولكن يصنع من الطين مثل هيئة الطير، فالحق وحده هو الذي يخلق الطير؛ فلأنه الإله فهو الذي يخلق خلقاً عاماً، أما البشر فبإمكانهم أن يخلقوا أشياء ويشكلوها كمثل المخلوقات، لكنها ليست مخلوقات.

إننا نرى ذلك في التماثيل التي ينحتها المثَّال من الصخر أو يشكلها من الطين كهيئة الجمل أو العصفور، لكنه لا يملك أن ينفخ فيه الروح، وقد يخترع الإنسان أشياء مثل الكوب من الرمل المصهور المنقى، لكننا لم نسمع عن خلق كوب ذكر وكوب أنثى ليتوالد من الاثنين نسل من الأكواب!

إننا نرى دائماً أن خلق الإنسان لشيء إنما يظل معقوداً على حاله فلا ينسل ولا ينمو ولا يحس، والخالق الأعظم يخلق من عدم، أما أنت أيها الإنسان فتصنع أشياء مما

<<  <  ج: ص:  >  >>