ستبهر حتى السحرة، فالسحرة يعلمون أن عملهم تخييل وليس تغييراً للأشياء، أما الحق فهو يغير الأشياء نفسها.
لقد جاء السحرة بناء على امر فرعون إلى يوم الزينة، ويعلمنا القرآن بلمحات جانبية أن نظام السحرة كان موجوداً، ولذلك طالب السحرة بأجرهم إن هم غلبوا موسى:{قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين}[الأعراف: ١١٣] .
وعلى الرغم من اختلاف مواهب هؤلاء السحرة ورقي كل منهم في فرع من فروع السحر، إلا أنهم جميعاً سجدوا للحقيقة عندما ألقى موسى عصاه وقالوا:{قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ}[الشعراء: ٤٧ - ٤٨] .
وهكذا عرفوا أن ما فعله موسى ليس قدرة بشرية ولكنه قدرة فوق قدرة البشر. إنها المعجزة التي يجريها الله على يد الرسل لإثبات صدقهم في إدعائهم أنهم رسل من الله. وكذلك نبغ قوم عيسى عليه السلام في الطب. ولم يجرؤ أحدهم على أن يشفي بكلمة واحدة الأكمه والأبرص أو أن يخرج الميت من موته إلى الحياة. وعلى الرغم من تقدمهم في الطب لم يستطع أحدهم أن يفعل ذلك. والحق سبحانه يسهل المعجزات على رسله، والمثال في الإسلام هو الإسراء برسولنا ونبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وحَدَثَ الإسراء في لمح البصر، ونحن في زماننا نرى التقدم الآلي والفني قد اخترع الصواريخ التي يمكن أن تختصر الوقت لمثل الرحلة من مكة إلى القدس ولكنها تمت بوساطة آلة تعمل وبأجهزة أعدت بنظام دقيق بعد تجارب مضنية، ولكن الحق عندما أراد لم يكن الأمر سوى كلمة منه تصير معجزة في التو واللحظة. ولنحفظ ذلك جيداً. إن المعجزة خرق اقتدار لا سبق ابتكار أي أنها خرق لنواميس الكون حادث من اقتدار المقتدر - سبحانه - ولم يحدث ذلك من ابتكار واختراع واكتشاف مكتشف.
ويُسلّي سبحانه عيسى عليه السلام بذكر هذه البيانات، لكنَّ الكافرين من قوم عيسى عليه السلام قالوا إنها سحر:{فَقَالَ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} . ونعلم أن الحق خلق الخلق وجعل الإيمان أمراً فطرياً فيهم، ثم تأتي الغفلة فتبهت جزئية من جزئيات الإيمان، وتتلوها غفلة أخرى فتبهت جزئية أخرى، وتأتي غفلة ثالثة فتصير إلى الران وهو ما يعطي القلب فلا تنفذ إليه الهداية، وذلك بسبب