الجاهلية التعجب من شأن القرآن الذي نزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما يخبر القرآن الكريم في قوله تعالى:{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف: ٣١ - ٣٢] .
وقال أهل الجاهلية: لماذا لم ينزل القرآن على رجل عظيم من مكة أو من الطائف؟! قالوا ذلك استهزاء بشأن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وقال الحق سبحانه وتعالى في ذلك القول الفصل، فليس لأحد أن يختار الرسول؛ لأن الرسول مُصطفى من الله، ولا يملك أحد من البشر أن يختار رسولاً من أصحاب السلطان أو الجاه.
وسبحانه وتعالى يعد كل رسول الإعداد اللائق لمهمته، ومقام الرسالة النبوية هو الأعلى في الدنيا والآخرة. والحق سبحانه - وهو المنظم لأمور خلقه - قسّم الموّاهب - رحمة منه - فيما بين العباد ليتساندوا ويتآزروا ويحتاج كل منهم إلى عمل الآخر. وحين يرسل سبحانه رسولاً فهو يختار الآية المناسبة له وللعصر الذي جاء فيه، وما اقترح قوم آية وجاء بها الله، ثم لم يؤمن الذين اقترحوا الآية بعد مجيئها إلاّ أنزل الحق سبحانه بهم العذاب الأليم. وحين يطلب اتباع الرسول آيات معينة، إنما يحمل هذا الطلب في طياته التفلّت والتحلل من الالتزام بمنهج الله، كأن الذين يطلبونها يصرون على الكفر بالرسول على الرغم من طلبهم الآية، ولذلك يقول الحق سبحانه:{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً}
[الإسراء: ٥٩] .
وكذلك اقترح قوم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يأتيهم بآيات غير آيات القرآن، على الرغم من أن آيات القرآن تقنع كل من له عقل يفكر وقلب يحس،