للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العليم بكل شيء يعلم أن ذلك لم يخطر له على بال، وهذه هي العلة في إيراد ثلاث صور في هذه الآية.

الصورة الأولى هي قوله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} وهذا تنزيه من عيسى لربه، والصورة الثانية هي قول عيسى: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} ، والصورة الثالثة هي: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} . إذن فلا شيء من عند عيسى، وقد يسأل سائل: وماذا يكون في النفس؟ الذي يكون في النفس هو ما أسِرُّ به ولم يظهر؛ لأن النفس تُطلق مرة ويراد بها الذات التي تضم الروح والجسد معا، وعندما تُطلق على ذات الله فنحن ننزهها عن أن تكون أبعاضاً، ولكنها ذاته المأخوذة في نطاق التنزيه.

والمثال هو قول الحق: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الأنعام: ٥٤] .

وهكذا يكون فهمنا لمجيء كلمة «نفس» منسوبة لله، إنه المنزه أن يكون مثلنا، فلله وجه ولنا وجه، ولكن وجه الله نفهمه في نطاق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وكذلك يد الله وكذلك كل صفات الله. ونعلم أن لله أسماء أعلمنا ببعضها، وعَلَّم بعضاً من خلقه بعضها، واستأثر ببعضها لذاته. وهناك بعض من الصفات لله تأتي لمجرد المشاكلة، كقول الحق: {إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: ١٤٢] .

ولا نقول أبداً: إن الله مخادع، ولكن الصفة هنا جاءت للمشاكلة لذكرها في مقابلة يخادعون الله. ولذلك لا نأخذ منها اسماً لله، بل إنه جاء للرد على ما يبدو من أعداء الله.

ويختم عيسى ابن مريم قوله: {إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} هي مبالغة في ذات الحدث، ومبالغة في تكرير الحدث، فهو سبحانه يعلم غيب كل واحد من خلقه وغيب كل ما في كونه، وهكذا جاء القرآن برد عيسى عليه السلام وهو رد يستوعب كل مجالات الإنكار على الذين قالوا مثل هذا القول:

ويتابع القرآن على لسان سيدنا عيسى عليه السلام ما يناقض ما قاله بعض من أتباعه

<<  <  ج: ص:  >  >>