إن الكل عباد لله يوم القيامة، والكل ينفذ مراد الله، ولا ولاية لأحد على أي شيء من أبعاضه وجوارحه، فالعين التي كانت مسخرة للعبد في الدنيا تأتمر بأمر العبد فيختار أن يرى الحلال أو يرى الحرام، هذه العين تسترد حريتها من صاحبها فلا ولاية له عليها في اليوم الآخر، وكذلك اليد واللسان والجلد والقدم، وكل الأبعاض. وتكون النفس الإنسانية في الدنيا كقائد لكل الأبعاض والجوارح تنفذ أوامر الإنسان سواء للخير أو للشر، وسواء للطاعة أو للمعصية. لكن هذه الأبعاض والجوارح تنطلق يوم القيامة لتشهد على كل ما فعل الإنسان، فليس لأحد مراد غير مراد الله:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}[غافر: ١٦] .
لقد انتهت مرادات البشر وبقي مراد الله فصار الكل عباداً لله. وعلى هذا فليس هناك إشكال في قول عيسى:{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} . ونعلم أيضاً أن كلمة «عبيد» تشملنا كلنا فيما نحن غير مخبرين فيه مثل إرادة التنفس أو ميعاد الميلاد أو ميعاد الموت، ولكن المؤمنين يرتقون من «العبيدية» إلى «العبادية» بتنفيذ منهج الله، أما الكافرون والعصاة فهم يعصون الله بما لهم من اختيار ويسيرون في درب العصيان معاندة لمنهج الله. وحتى يثبت الحق لنا جميعاً أن الكافرين مجرد عبيد فهو يصيبهم بالمرض والفاقة والآلام النفسية العميقة ولا يجرؤ واحد منهم أن يصادم مراد الله في هذه الأحداث التي يجريها عليهم.
ولذلك فالمؤمن يشكر الحق باختياره لأن الله حماه بأدوات الاختيار وجوداً ونضجاً وعدم إكراه.
ولنا أن نلحظ أننا كلنا في يوم القيامة - كما قلنا من قبل - نصير عباداً لله فلا مراد لأحد فينا على أي شيء، وكل المراد يكون لله، وقد أورد الحق سبحانه ما جاء على لسان عيسى عليه السلام فقال:{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} وهذا التذييل لكلمات عيسى ابن مريم لم يأت باعتذار أو طلب الحنان من الله على الذين كفروا بالله وأشركوا به، فالعزيز الحكيم هو الذي لا يغلب على