اللغات بنطق مختلف هو دليل على أسبقية وجود الذات وهو الله. وبعد ذلك جاء الكفر، وعرفنا أن الكفر كان محاولة لستر الوجود الأول، وبذلك دلت كلمة الكفر على الإيمان. والذي يرهق الإنسان هو محاولته لحصر الموجود الأعلى في شكل طبقاً لإمكانات وحدود البشر. ولا أحد يستطيع أن يحصر وجوده سبحانه في شكل معين؛ لأن من عظمته أننا لا نقدر على تصوره، والإيمان به سبحانه يدل عليه وهو يقول عن نفسه ما شاء. وأحب أن تحفظوا هذا المثل وتضربوه لصغاركم:
لنفترض أن إنساناً يجلس مع أسرته في حجرة، ثم طُرق الباب، وكل من يجلس في الحجرة يتيقن أن طارقاً بالباب ولا يختلف أحد منهم في هذه المسألة. فيقول أحد الأبناء:«الطارق محمد» ويقول الثاني: «إنه محمود» ويقول الثالث: «لا، إنه إبراهيم» فتقول الزوجة: «إن الطارق امرأة» ، لكن أحد الأبناء يقول:«لا، إنه رجل» فيقول الأب: «لعله شرطي جاء يسألني عن أمر» ترد الزوجة: «توقع خيراً، إنك تصنع كل خير ولا بد أن يأتي لك كل طارق بخير» .
هنا اختلفت الأسرة لا في تعقل الطارق، ولكن في تصور الطارق، يقول الأب:«بدلا من الحيرة لنسألة من أنت؟» ، فيجيب الطارق:«أنا فلان» .
وهكذا الكون، طرأ الإنسان عليه وتساءل من الذي خلقه. ذلك أن الإنسان جاءته الغفلة بعد أن عرف آدم ربه وبعد أن أشهد الحق ذرية آدم أنه ربهم. ثم أرسل الحق الرسل ليبلغوا الخلق منهجه واسمه وصفاته. وأراد سبحانه بذلك ألا يرهق خلقه، وأبلغ الناس من خلال الرسل أنه الخالق الأكرم.
وآفة الفلاسفة أنهم لم يكتفوا بتعقل الإله، بل أرادوا أن يتصوروه، وهذا أمر غير ممكن. لذلك نقول: علينا أن نستمع إلى الحق يقول ما شاء عن نفسه ولا داعي للخلاف. وسبحانه وتعالى يقول:{وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض} وإياك أيها المسلم أن تفهم أن السماء والأرض هنا ظرفية، لأن الظرفية وعاء وحيز، وإذا كنت لم تعلم مكان روحك في جسدك، فكيف تعلم مكان الله؟ لقد قصد الله بذلك القول أنه معبود في السموات ومعبود في الأرض.
ولنلحظ أن بعض آيات القرآن توقف الذهن عندها كي تظل الأذهان دائماً مشغولة بكلمات الله، ولو جاء القرآن بكلمات يسهل على الفهم العادي إدراك