{قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}[يونس: ٥٨] .
ويعفو سبحانه عن الكثير، وباب رحمته وفضله مفتوح ويفسح التوبة لكل عاصٍ. ومن فضل الله أنه جعل بعضاً من الكفار يقفون في بداية الإسلام ضد المسلمين ثم يكونون من بعد ذلك سيوفاً للإسلام، وسبحانه الرحيم الذي يجمعنا للحساب يوم القيامة الذي لا ريب فيه ولا شك، ونسير جميعاً مدفوعين إلى ذلك اليوم ويأتي الكافر على رغم أنفه، والمؤمن يتيقن رحمة الله وفضله ويفرح بلقاء ربه.
والكافر - والعياذ بالله - قد خسر نفسه بعمله مصداقا لقوله الحق:{الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وخسران النفس مترتب على عدم الإيمان؛ لأننا لو نظرنا إلى الغايات وإلى الوسائل لوجدنا أن الوسيلة تأتي قبل الغاية، ولكن في التحضير العملي الغاية تتضح قبل الوسيلة؛ فالذي يستذكر إنما يستحضر في ذهنه الغاية وهي النجاح، فيبذل الجهد لينجح؛ لأننا نعلم أن كل شرط هو واقع بين أمرين، بين جواب دافع، وجواب واقع؛ فالنجاح دافع للمذاكرة، والمذاكرة تجعل النجاح واقعاً، ويقول ابن الرومي:
ألا مَنْ يُرِيني غايتي قَبْلَ مَذْهبي ... ومِنْ أين والغايات بعد المذاهبِ؟
وهذا القول منه غير سديد؛ لأن الإنسان عليه أن يتنبه إلى الغاية وأن يتعرف على الوسيلة التي توصله إلى الغاية، فإذا كانت الغاية أن يذهب الإنسان إلى الله، والوسيلة هي المنهج، فلماذا الحيرة إذن؟ وهكذا نعلم أن الذين لم يؤمنوا قد خسروا أنفسهم لأنهم لم يميزوا الغاية الدافعة وهي الذهاب إلى الله والنزول على حكمه، عن الغاية الواقعة وهي الوسيلة، وسبحانه قد يسرها لعباده إذ قد أتى لهم بالمنهج الذي يسيرون عليه.
ويقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك:{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي الليل والنهار ... }