للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبقت الإسلام هي التي أرهقت الكون؛ لأن الحق سبحانه حينما خلق الكون طمر فيه أسراراً تعمل في خدمة الإنسان وإن لم يدر بها الإنسان. وطموحات الإنسان العلمية هي التي تجعله يهتدي إلى هذه الأسرار ويكتشف القوانين التي تعمل بها؛ مثال ذلك قانون الجاذبية وقانون السالب والموجب، كل هذه قوانين موجودة في الكون، تماماً كما خلق الله الأرض كروية وكما جعل الشمس هي مصدر الحرارة والدفء والنور والإشراق.

ويأخذ العلماء من تلك المقدمات ليصلوا إلى اكتشاف قوانين هذه الأجرام وقوانين هذا الكون. وحين يصل الذكي إلى اكتشاف قانون ما فإنه يقول: لقد اكتشفت كذا، وهذا تعبير فطري دقيق، ولا يقول أبداً: لقد ابتكرت كذا؛ لأنه يعلم أن ما اكتشفه كان موجوداً في الكون ولكن لا يعرفه. وعدم معرفة الإنسان بقانون موجود في الكون لا يمنع الفائدة من الوصول إلى الإنسان، وإن كانت المعرفة بالقانون تزيد من إمكان الإفادة منه.

فالإنسان يتمتع بوجود الشمس قبل معرفة ما بها من طاقة، ولكن عندما تخصص العلماء في دراسة الشمس عرفوا أن الإنسان يمكن أن يستفيد بهذه الطاقة أكثر من فائدته التقليدية بها، ولذلك صارت هناك بعض المدن تنير شوارعها بالطاقة الشمسية، وصارت هناك بعض المباني تدفيء حجراتها بالطاقة الشمسية وتسخِّن المياه أيضاً بهذه الطاقة. ولم يمنع هذا الاكتشاف أن يستفيد الأمي أو البدوي في الصحراء من نور الشمس. وكذلك الكهرباء، والأدوات الكهربائية والمنزلية التي يمكن للجاهل الاستفادة منها، مثل استفادة الخبير بها، صحيح أن الأمي لا يعرف كيف تدور المصانع التي تنتج أجهزة التليفزيون ولكنه يستفيد برؤية التليفزيون. والتليفزيون ليس إلا ترجمة مادية لمجموعة من القوانين العلمية اكتشفها الإنسان ووضعها موضع التطبيق لصناعة هذه الآلة التي يستفيد بها الإنسان.

ولكل سر ميلاد تماماً كميلاد الإنسان. وإذا جاء ميعاد ميلاد السر ولم يكن هناك من يبحث عنه، فسبحانه يكشفه لأي بشر بالمصادفة، وكثيراً ما نسمع أن عالماً كان يبحث في مجال ولكنه اكتشف سراً غير الذي كان يبحث عنه. ولذلك يقول الحق في آية الكرسي:

<<  <  ج: ص:  >  >>