فيقولون:{والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . وهم في ظاهر الأمر يدافعون عن أنفسهم، وفي باطن الأمر يعرفون الحقيقة الكاملة وهي أن المُلْك كله الله، ففي اليوم الآخر لا شركاء لله؛ ذلك أنه لا اختيار للإنسان في اليوم الآخر. ولكن عندما كان للإنسان اختيار في الدنيا فقد كان أمامه أن يؤمن أو يكفر. وإيمان الدنيا الناتج عن الاختيار هو الذي يقام عليه حساب اليوم الآخر، أما إيمان الاضطرار في اليوم الآخر فلا جزاء عليه إلا جهنم لمن كفر أو أشرك بالله في الدنيا. ولو أراد الله لنا جميعاً إيمان الاضطرار في الدنيا لأرغمنا على طاعته مثلما فعل مع الملائكة ومع سائر خلقه.
لقد قهر الحق سبحانه كل أجناس الوجود ما عدا الإنسان، وكان القهر للأجناس لإثبات القدرة، ولكن التكريم للإنسان جاء بالاختيار ليذهب إلى الله بالمحبة.
والمشركون بالله يفاجئهم الحق يوم القيامة بأنه لا إله إلا هو، ويحاولون الكذب لمحاولة الإفلات من العقوبة فيقولون:{مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . وهم قد كذبوا بالله في الحياة فعلاً ويريدون الكذب على الله في اليوم الآخر قولاً، ولكن الله عليهم بخفايا الصدور وما كان من السلوك في الحياة الدنيا، ويوضح لهم في الآخرة أعمالهم ويعاقبهم العقاب الأليم.
وحين يسألهم الحق:{أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ} ؟ ففي هذا القول استفهام من الله، والاستفهام من العليم لا يقصد منه العلم، وإنما يقصد به الإقرار مِن المسئول. وفي حياتنا اليومية يمكننا أن نرى السؤال من التلميذ لأستاذه؛ ليعلم التلميذ ما يجهل. ونرى السؤال يرد مرة بعد أخرى من الاستاذ لتلميذه لا ليعلم ما لم يعلم، ولكن ليقرر التلميذ بما يعلمه وبما تعلمه من أستاذه. فإذا سأل الحق خلقه سؤالاً، أيسألهم سبحانه ليعلم؟ حاشا لله أن يكون الأمر كذلك. وإنما يسأل الحق عباده ليكون سؤال إقرار. والإقرار هنا فيه تبكيت أيضاً؛ لأنه سؤال لا جواب له، فمعاذ الله أن يوجد له شركاء. وعندما يقول الحق لهم:{أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ} ؟ فمعنى ذلك هو الاستبعاد أن يوجد له سبحانه شركاء.
وبذلك يوبخهم ويبكتهم الحق على أنهم أشركوا بالله ما لا وجود له.
لقد أشركوا بالله في الدنيا لمجرد التخلص من موجبات الإيمان. وها هم أولاء في