أي أن أرض الكفر تنقص وتنقص والله يحكم لا معقب لحكمه، ولذلك يشرح القرآن في آخر ترتيبه النزولي هذه القضية شرحاً وافياً. ويعلمنا أن نقطع كل علاقة لنا مع الكافرين، فيقول سبحانه:{قُلْ ياأيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}[الكافرون: ٢ - ٥] .
وهكذا نرى أن قطع العلاقات أمر مطلوب بين فريقين: فريق يرى أنه على حق، وفريق ثانٍ أنه على باطل، وقد يكون قطع العلاقات أمراً موقوتاً. وقد تضغط الظروف والأحداث إلى أن نعيد العلاقات الدنيوية ثانية، ولكن قطع العلاقات لا بد أن يكون مؤيداً في شأن العقيدة ولا مداهنة في هذا، ولذلك قالها الحق مرتين:{لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ}
[الكافرون: ١ - ٥] .
فالمؤمن يرى الحاضر والمستقبل، ويعلم استحالة أن يعبد ما يعبده الكافرون، واستحالة أن يعبد الكافرون ما يعبد.
وقد يقول قائل: إن القرآن في ترتيبه النزولي لا بد ألا يتعارض مع واقعه، ولكننا نرى في قوله تعالى:{لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} وكررها مرتين، إنه بذلك يكون قد أغلق الباب أمام الكافرين فلا يؤمنون مع أن بعضهم قد دخل في دين الله. نقول: نعم إنه لا يتعارض؛ لأن الحق لم يغلق الباب أمام الكافرين الذين أراد الله أن يؤمنوا، بدليل أنه قال جل وعلا:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}[النصر: ١ - ٣] .