للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أراد البعض أن يتصيد لأساليب القرآن، ومنهم من قال: كيف تقولون إن القرآن عالي البيان، فصيح الأسلوب، معجزة الأداء، وهو يقول ما يقول عن شجرة الزقوم؟

إن القرآن الكريم يقول عن هذه الشجرة: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: ٦٢ - ٦٥] .

إن كل شجرة تحتاج إلى ماء وهواء، وفيها حياة تظهر باخضرار الأوراق، فكيف تخرج هذه الشجرة من النار، أليس في ذلك شذوذ؟ ثم تتمادى الصورة. . صورة الشجرة، فيصف الحق ثمارها بقوله الحق: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} [الصافات: ٦٥ - ٦٦] .

نحن لم نر شجرة الزقوم، ولم نر رأس الشيطان. ويَسْخَرُ الذين يتصيدون للقرآن في أقوالهم: بما أن أحداً من البشر لم يشهد رأس الشيطان، وكذلك شجرة الزقوم، فكيف يشبه الله المجهول بمجهول، وتساءلوا بطنطنة: ماذا يستفيد السامع من تشبيه مجهول بمجهول؟ ونقول رداً عليهم: إن غباء قلوبكم وفقدان طبعكم لملكة اللغة العربية هو الذي يجعلكم لا تفهمون ما في هذا القول من بلاغة.

وحين نقرب المثل نقول: هب أن إنساناً أقام مسابقة بين رسامي «الكاريكاتير» في العالم ليرسم كل منهم صورة للشيطان، ويوم تحديد الفائز ستوجد أكثر من صورة للشيطان، وستفوز أكثر الصور بشاعة، ذلك أن الفوز هنا ليس في الجمال، ولكن الفوز هما في مهارة تصوير القبح. وهكذا تتعدد أمامنا صور القبح، فما بالنا بالحق سبحانه وتعالى وقد أراد إطلاق الخيال لتصور شجرة الزقوم، وكذلك تصور رأس الشيطان؟ أراد الحق بهذا الأسلوب البليغ إشاعة الفائدة من إظهار بشاعة صورة الشجرة التي يأكل منها أهل الكفر.

وكذلك هنا قوله الحق: {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار} والذي يحدث لهؤلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>