لغيرك؛ ذلك أن أغيار الحياة ستمر عليك وقد تصير قوتك إلى ضعف، وتأمين الإنسان لضعفه إنما يكون بإخراج الزكاة للضعيف، ومساعدته ومعاونته في كل ما يحتاج إليه، ونجد غير المؤمنين وقد أخذوا فكرة التأمين من الزكاة، فأنت تدفع للفقير زكاتك لتؤمن نفسك كمؤمن، وهم أخذوا هذه الفكرة ليحولوها إلى تأمين على الحياة، ولذلك تدخلوا في قدر الله.
لكن الحق أراد بالزكاة أن يطمئن المجتمع كله لا أن يطمئن من يؤمن على نفسه فقط. ونعلم أن الذي يخيف الإنسان ويجعله يكدس المال ويجمعه ويكنزه هو الخوف من الضعف، لكن لو أعطى الغني بعضاً من المال للفقير لأشاع الاطمئنان في نفسه ونفوس الضعفاء.
والذي يجعل الناس تلهث في الحياة للادخار لأبنائها هو عدم اقتناعهم بالتكافل الاجتماعي الذي شرعه الإسلام. وهم يرون اليتيم وهو يضيع في المجتمع، لكن لو آمن الناس في المجتمع بالتكافل الاجتماعي لوجد كل يتيم أبوة المجتمع كله له.
والإنسان الذي يلهث وراء الكسب من أجل أن يؤمن مستقبل أولاده قد يحول أولاده إلى يتامى لأنه مشغول عن تربيتهم، ولذلك يقول أمير الشعراء شوقي رحمة الله عليه:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من ... هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له ... أمَّاً تخلت أو أباً مشغولا
إن على المجتمع أن يأخذ قضية الخير من قول الحق سبحانه:{استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} . فكما أحيا الحق الأجسام بالروح التي نفخها في القالب الطيني فصار لها حس وحركة، فهو قد أنزل المنهج أيضاً روحاً من عنده لترتقي به روح الحس والحركة، حتى لا يصير الإنسان كالأنعام أو أضل سبيلاً:{وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[الأنعام: ٣٢] .