طلب الآية هو أمرًا نابعًا من قلوبهم فإننا نأخذ بأيديهم ونرشدهم ونهديهم ونقول لهم: إن الرسل التي جاءت بمعجزات غير كتاب المنهج كانوا رسلاً إلى أمم مخصوصة وفي زمان محدود، فجاءت معهم آيات كونية تُرَى مرة واحدة وتنتهي، ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جاء لعموم الزمان، ولعموم المكان، ولذلك لا تصلح أن تكون آيته ومعجزته حسية؛ حتى لا تنحصر في الزمان والمكان المحددين، وشاء الحق أن تكون معجزة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هي المنهج الدائم.
وكنز القرآن أظهر وكشف من من الآيات الكونية ما تحقق من علم ورآه البشر، وما سيظل يكتشفه البشر إلى أن تقوم الساعة. ولذلك قال الحق:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق}[فصلت: ٥٣] .
أي أن البشر سيريهم الله وسيكتشف لهم من آياته حتى يظهر ويستبين لهم وجه الحق، وإن كنتم تقترحون آية لمجرد التمحك والتلكؤ في إعلان الإيمان، فلتعلموا أن أقواماً غيركم اقترحت الآيات وأنزل الحق هذه الآيات ومع ذلك كفروا:{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون}[الإسراء: ٥٩] .
مثلما طلب قوم صالح الناقة، فجاءهم بالناقة، فكذبوا بتلك الآية وعقروا الناقة:{فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} . إذن فمسألة طلب الآيات قد سبقت في أمم سابقة، وسبحانه قادر على إنزال الآيات، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون. وسيقولون مثلما قال الذين تكلم فيهم الحق سبحانه:{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون}[الإسراء: ٥٩] .
ولقد أنزل الحق سبحانه القرآن على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفيه آيات كثيرة عظمت وجلت عن أن تحصى وتحصر، ولو أنهم اقترحوا آية وحققها الله لهم ولم يؤمنوا لكان حقاً على الله أن يبيدهم جميعاً. ولقد أعطى الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعداً بألا يهلكهم وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيهم:{وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} .