للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأبلغنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن الحق قد أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً بآية دالة على صدق البلاغ عنه وهي القرآن. وكان يجب على مَن يستقبل هذا البلاغ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لنفسه. فليس من حق أحد أن يطلب من الرسول آيات غير التي أنزلها الله؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يدَّع إلا أنه مبلغ عن الله، فيجب أن تكون المقابلة له في إطار هذا الادعاء.

وقد تجاوز الكافرون ذلك عندما طلبوا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آيات أخرى، كتفجير بعض الأرض ينابيع مياه، أو أن يكون له بيت من زخرف، ولذلك يوضح له الحق سبحانه أن يبلغهم أنه لا يملك مع الله خزائن السموات والأرض، فكيف تطلبون بيوتا وقصورا، وكيف تطلبون معرفة الغيب حتى تقبلوا على النافع وتتجنبوا الضار؟ . ألا يكفيكم المنهج الإلهي الذي يهديكم إلى صناعة كل نافع لكم ويجنبكم كل أمر ضار بكم؟ ثم إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم يقل لهم إنه يعلم الغيب. وهو بشهادتهم هم يقولون عنه ما جاء بالقرآن الكريم: {وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان: ٧ - ٨] .

لقد سخروا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وطالبوا أن تكون له آيات أخرى، وتساءلوا كيف يمكن أن يزعم أنه رسول وهو يأكل الطعام كما يأكلون، ويغشى الأسواق لكسب العيش كما يفعل البشر، ولو كان رسولاً لكفاه الله مشقة كسب العيش، ولأنزل إليه مَلكاً يساعده في البلاغ عن الله، أو يلقي إليه الله من السماء بكنز ينفق منه، أو تكون له حديقة غناء يأكل من ثمارها.

هذا ما قاله كبار المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، وأرادوا أن يصدوا الناس عن الإيمان بدعوة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فمرة يتهمونه بأنه مسحور، ومرة بأنه مجنون، وثالثة بأنه يهذي، ورابعة بأنه كذاب، وخامسة بأنه يتلقى القرآن

<<  <  ج: ص:  >  >>