إذن فالحق جاء بالقضية الكلية، وهي أن أسرار الله ونفائسه في الكون هي بيد الله في خزائنه، وهو سبحانه يجليها ويظهرها ويكشفها لوقتها. كيف؟ إن الحق سبحانه وتعالى تكلم عن بدء الخلق، وتكلم عن خلق السموات والأرض، وتكلم عن هذا الموضوع كلاماً مجملاً تفسره الآيات الأخرى. فالحق سبحانه وتعالى يقول:{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ}[فصلت: ٩ - ١١] .
يأمر الحق رسوله أن يبلغ هؤلاء المشركين كيف يكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين وكيف يجعلون له شركاء وهو الخالق للأرض التي هي مناط الحركة لابن آدم.
لقد خلق فيها سبحانه ما يقيت ابن آدم وتقوم به حياته وإن أراد الترف فلا بد له من الطموح في الحياة. وهو سبحانه جعل في الأرض رواسي - أي جبالاً - وبارك في الأرض وفي الرواسي. ثم جاء بتقدير الأقوات بعد ذكر الرواسي وهي الجبال، فكأن الجبال في حقيقة أمرها هي مخازن القوت. وقد يقول قائل: كيف ذلك؟
ونقول: إن الواقع قد أثبت هذه الحقيقة؛ فأنت إن نظرت إلى الأنهار التي تجري، لوجدتها تتكون من الماء الذي تساقط من الأمطار على الجبال، فالمياه المكونة من ذرات صغيرة دقيقة تنزل على هذه الجبال لتفتتها، وكأن المياه هي «المبُرَد» الذي يزيل من سطح الجبال هذه الرمال المليئة بالعناصر الغذائية للأرض، وهو ما نسميه نحن «الغرين» ، والغرين - كما نعلم - هو ما ينزل مع المياه من سطوح الجبال إلى مجرى النهر، وباندفاع المياه في مجرى النهر تنتقل المادة الخصبة إلى الأرض، وتتكون تلك الطبقة الخصبة التي تتغذى منها النباتات. ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لجعل سطح الأرض كله مستوياً، وفيه الخصوبة التي تنبت النبات.
لكن حكمته سبحانه شاءت أن تصنع للنبات غذاءه بهذه الطريقة. فأنت إذا