العقل الجمعي للعالم الآن، ذلك أن كل جيل قد استفاد مقدمات من أفكار الجيل السابق له ليصل إلى نتاج جديد. إذن فهناك خزائن للأفكار وللخواطر. وكذلك كل شيء في الوجود له عند الله خزائن لا ينزل منها إلا بِقَدَر معلوم:{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} .
وساعة يرى الحق أن يظهر ميلاد سر ما، فهو سبحانه يهيء الأسباب لذلك. وعلى سبيل المثال - ولله المثل الأعلى - كنا قديما نقطع الأخشاب من الأشجار لنصنع منها وقوداً، وكنا بعد أن نقطع الأخشاب نخشى عليها من الفساد، لذلك وضع الحق بعضاً من إلهاماته للعقل البشري حتى يستطيع تحويل الخشب إلى فحم ليضمن الإنسان صيانة الخشب، وليضمن وجود مصدر للطاقة هو الفحم النباتي. ومن بعد ذلك اكتشف الإنسان الفحم الحجري. ومن بعد ذلك اكتشفنا البترول، كل ذلك من خيرات الطاقة كان مكنوزاً في الأرض، ولم يكتشفه الإنسان إلا بعد أن أعطاهم الله الاستعداد لاستقبال هذا الخير، وسيظل عطاء الله قائماً إلى أن تقوم الساعة. فمع الفحم دخلنا عصر البخار، ثم دخلنا عصر الكهرباء، ثم دخلنا عصر الذرة.
وكل هذه الأشياء كان لكل منها ميلاد، ولكل منها مكان في خزائن الله، وعندما ينزل الله أي خاطر من الخواطر على عبد من عباده فإن العبد يأخذ بالأسباب ويكتشف ميلاد السر المكنوز. وكل لاحق يأخذ من خير السابق ويبني عليه. وهكذا ينمو الخير دائماً.
والأشياء في خزائن الله إما أن تكون مطمورة وإما تكون محكمة إحكاماً رقمياً، وعلى سبيل المثال، هذا هو الراديوم الذي اكتشفته «السيدة كوري» أظهره الله على يديها في وقت الحاجة إليه. وكان العلماء قبل اكتشاف الراديوم يعلمون أن هناك عنصراً لم يعرفوه له تركيب ذري معين؛ لأن عناصر الكون مصنوعة بحكمة جليلة كبيرة.
وقد ينزل الشيء شائعاً في غيره، ومثال ذلك أن تقطف وردة وتستمتع بأريجها وجمال منظرها إلى أن تذبل، وقد يغيب عنك أن الوردة مكونة من تركيب معين، فالرطوبة هي التي تعطي الوردة نضارة، وكل شيء في الوردة هو من مادة الأرض، وعندما تذبل الوردة فهي تعود إلى عناصر الأرض بعد أن تتبخر منها المياه وتذهب كبخار مع غيرها من المتبخرات إلى السحاب الذي تحركه الرياح فيسقط مطراً.