الحق سبحانه يعلم أن الإنسان مطبوع على الحرص الشديد أو البخل، وهو سبحانه الغني الكريم؛ لذلك ينزل ما يشاء من خزائنه لعباده حتى ينتفعوا. ولم يدع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الخزائن لنفسه، فكيف يطالبه المشركون بما في خزائن الله، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوضح ذلك ويوضح أيضاً أنه لا يعلم الغيب:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب}[الأنعام: ٥٠] .
وهو بذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ينفي عن نفسه أي صفة من صفات الألوهية؛ لأن الخزائن الكونية هي في يد الله، وكذلك ينفي عن نفسه علم الغيب. ولقائل أن يقول: ولكن ماذا عن الأشياء والأحداث التي كان يخبرنا بها سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وهي أحداث مستقبلية؟
ونقول: إن ذلك ليس علماً الغيب، ولكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُعَلَّم غيب، أي أن ربنا سبحانه وتعالى قد علمه، ومثال ذلك قول القرآن الكريم:{ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[آل عمران: ٤٤] .
إن الحق سبحانه هو الذي علَّم رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تلك الأخبار التي كانت من أنباء الغيب، ويحسم الحق هذه المسألة عندما يقول:{عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٦ - ٢٧] .
فسبحانه وتعالى هو وحده عالم الغيب، ولا يُطْلِع أحداً من خلقه على الغيب.