من المستضعفين، فقالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منَّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك.
وكأنهم يقولون له: إنك قد اكتفيت بهؤلاء الضعفاء وتركتنا نحن الأقوياء ولن نجلس معك إلا أن تبعد هؤلاء عنك لنجلس، فما كان من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ببديهية الإيمان إلا أن قال: ما أنا بطارد المؤمنين. إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعرف أن هناك من أمثالهم من قالوا لغيره من الأنبياء مثل قولهم. فقد قال قوم نوح عليه السلام له ما حكاه القرآن الكريم:{فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرأي وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود: ٢٧] .
وحاول بعض من أهل الكفر أن يعرضوا موقفاً وسطاً على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقالوا: إذا نحن جئنا فأقمهم من عندك لنجلس معك فإذا قمنا من عندك فاجعلهم يجلسون. ووجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في هذا الرأي حلا وسطاً يمكن أن يقرب بين وجهات النظر، واستشار صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فقال عمر: لو فعلت حتى ننظر ما الذي يريدون. وطالب أهل الكفر من أثرياء قريش أن يكتب لهم رسول الله كتاباً بذلك، وجيء بالدواة والأقلام، وقبل الكتابة نزل قول الله:{وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين}[الأنعام: ٥٢] .
ورمى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالصحيفة التي جيء بها ليكتبوا عليها كلاماً يفصل بين جلوس سادة قريش إلى مجلس رسول الله وجلوس الضعفاء أتباع رسول الله. والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إنما مال إلى ذلك من الكتابة طمعا في إسلام هؤلاء المشركين وإسلام قومهم بإسلامهم رحمة بهم وشفقة عليهم، ورأى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئا ولا ينقص لهم قدراً فمال إليه فأنزل الله