مؤمن جيداً فهو - سبحانه - واحد لا يوجد فرد ثان يشاركه في وحدانيته، فهو واحد لا شريك له، وهو أحد جل وعلا أي ليس له أبعاض يحتاج بعضها إلى بعض. وسبق أن أوضحنا أن هناك شيئا اسمه:«كل» وشيئاً آخر اسمه «كلي» . والكل هو المكون من أجزاء، كل جزء منها لا يؤدي الحقيقة، وإنما لا يُؤدي الكل إلا بضميمة الأجزاء بعضها إلى بعض.
ومثال ذلك الكرسي: إنه مكون من خشب ومسامير وغراء، فلا يقال للخشب كرسي، ولا يقال للمسامير كرسي، ولا يقال للغراء كرسي. ولكن يقال للشيء المصنوع من كل هذه الأشياء على هيئة محددة: إنه كرسي. إذن ف «الكل» له أجزاء تجتمع لتكوّنه. والكلّي يمكن أن تطلق على الإنسان، ولكن في الجنس البشري هناك أفراد كثيرون له.
وعلى ذلك فالحق سبحانه وتعالى ليس «كُلاًّ» أي لا أجزاء له لأنه أحد، وليس «كلياً» لأنه لا شيء مثله؛ فسبحانه وتعالى واحد أحد. ولهذا نفهم جميعاً أن كل شيء منسوب إلى الله ينبغي أن يكون في إطار:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ونحن لا نفهم مراد كلمة «النفس» بالنسبة لله كما نفهمها بالنسبة للبشر؛ لذلك فنفس الله ليست كنفس البشر؛ لأن الله غني لا يحتاج إلى غيره، وهو - سبحانه - ليس مكوناً من أجزاء، فهو سبحانه له كل الكمال والجلال في وحدانيته وأحديته وفي سائر صفاته وأفعاله. وحين يقول سبحانه:{كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ} . قد يتساءل إنسان: وما مدلول الرحمة؟
وتأتي الإجابة في قوله الحق:{أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . والحق حينما أنزل منهجاً من السماء فالمنهج يضم نصوصاً للتجريم كنصوص عقاب الزاني أو اللص، وغير ذلك، ولا يمكن أن تأتي عقوبة إلا إذا جاءت بعد تجريم، مثال ذلك الرشوة والنميمة وكل مخالفة للمنهج، فلا عقاب إلا بجريمة، ولا جريمة إلا بنص. والحق الذي خلق الخلق يعلم أن بعضا من خلقه يكون من ضعاف النفوس، وقد تغلب إنساناً نفسُه فيرتكب ذنباً أو معصية، والمثال على ذلك قول الحق: