الحق سبحانه وتعالى - إيناساً لخلقه - حينما يأتي لهم بأمر غير محس لهم، فإنه يوضح ذلك بالمحس. وعالم المشهد المحس إما مسموع وإما مرئي وإما متذوق وإما ملموس. وهناك عالم الغيب، فقد يصطفي الله بعضاً من خلقه ليلقي إليهم هبَّاتٍ من فيضه وعطائه توضح بعض الأمور، ومثال ذلك العبد الصالح الذي سار معه موسى عليه السلام وقال:
ومثل هذه الهبَّة تأتي لتثبت لصاحبها أنه على علاقة بربه، ولا يعطي الحق سبحانه هذه الهبات لتصبح عملاً ملازماً للإنسان، وجزءاً من طبيعته بحيث نذهب إليه في كل أمر فيخبرنا بما ينبغي علينا أن نقوم به. إن الأمر ليس كذلك بل هي مجرد هبات صفائية، يمنحها - سبحانه - وينزعها ويمنعها؛ فسبحانه عنده مفاتح كل الغيب، ويأتي لنا بالعالم المحسوس:{وَيَعْلَمُ مَا فِي البر والبحر} . وأتى الحق بالبر أولاً قبل البحر، والبر مُحس لكل الناس بما فيه من جمادات ونباتات وأشجار وحيوانات وأناس وبلاد وطرق. وهناك من البلاد ما لا تطل على بحار أبداً، ولذلك جاء الحق بالبر أولاً، ثم جاء بالبحر الذي يمكن أن يُشاهد، ولكن عالم البحر أخفى من عالم البر. وعوالم البحر تأخذ من مسطح الكرة الأرضية مساحات كبيرة للغاية وكل يوم نكتشف في عالم البحار جديداً.
ومن بعد ذلك يردنا الحق إلى البر مرة أخرى فيقول:{وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}[الأنعام: ٥٩] .