ينال المناصب، ولا أن يحصل على الثراء، ولا أن ينال القوة، فكل ذلك من الأغيار، والأغيار تختلف من إنسان إلى آخر.
وما نختلف فيه نحن البشر ليس غاية لوجودنا، والغاية للوجود الإنساني لا بد أن تكون واحدة. وأن نتفق فيها جميعاً، هذه الغاية هي ما نصير إليه بعد الموت. ونجاح كل عمل بمقدار ما يقرب الغاية منه. ولذلك فالمؤمن الحق يرى استقبال البشر لقضية الموت استقبالاً أحمق، فعندما يموت شاب في العشرين نجد من يقول:«إنه لم يستمتع بشبابه» والمؤمن الحق يرد على مثل هذا القول متسائلاً: أين تريد أن يستمتع بشبابه؟ . ويجيب أصحاب الفهم السطحي: لقد مات قبل أن يستمتع بشبابه في هذه الدنيا.
ويقول المؤمن الحق: وهل هذه الدنيا هي الغاية؟ . إنها ليست الغاية، بل الغاية هي الحياة الأخرى. ومن مات قبل التكليف فقد أنقذه الله من الحساب وأوطنه الجنة يتلقى نعيمها الدائم. فلماذا - إذن - هذه المبالغة في الحزن على أي ميت؟ والذي يقترب من الغاية يحب هذه الغاية. وهب أن إنساناً غايته أن يذهب إلى الإسكندرية، والوسيلة إليها قد تكون حصاناً أو عربة أو طائرة، فكل شيء يقربه من الغاية يكون هو الأفضل.
فإذا كان الله يريد أن يأخذ بعضاً من خلقه وهم في بطون أمهاتهم، فهذه إرادته. والذي ذهب من بطن الأم إلى القبر قرب من الغاية، وخلص من المراحل التي كانت في طياتها الفتنة. ودخل الجنة.
وهب أن الوليد عاش إلى عمر المائة وصار شيخاً ومر بكل اختبارات الفتنة واستقام على المنهج، فإلى أين مصيره؟ إنه إلى الجنة.
إذن فعلينا أن نستقبل كل قدر الله بحب: قدر الميلاد أو قدر الخروج من الدنيا، ولذلك يقول الحق سبحانه:
{تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك: ١ - ٢] .