فكأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخبر أنه من سلسلة نسب مُوَحِّد لا يمكن أن يكون للشرك فيه مجال، وآزر كان مشركاً، وما دام الحق يقول في آية أخرى:{إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} . فلو أن آزر الوالد الحقيقي لإبراهيم لكان سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ذريته. وأرى أنه عمّه؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:«ما زلت أتنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» ، وهو قول يدل على أن نسبة الشريف مطهر من الشرك من جهة الآباء ومن جهة الأمهات، إذن فلا يصح أن نعتقد أن أبا إبراهيم هو آزر؛ لأنه كان على هذا الوضع مشركا، لكن كيف نفسر قول الحق سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} ؟ .
نقول: إننا نأخذ اللغة، ونأخذ استعمالات القرآن في معنى الأبوة. والقرآن صريح في أن الأبوة كما تطلق على الوالد الحقيقي الذي ينحدر الولد من صلبه تطلق كذلك على أخي الوالد أو عمه.
والدليل على ذلك أن القرآن الذي قال:{لأَبِيهِ آزَرَ} وهو بعينه القرآن الذي قال: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ}[البقرة: ١٣٣] .
إذن آباء هي جمع أب، وأقل الجمع ثلاثة: إبراهيم إذن وكذلك العم إسماعيل يطلق على كل منهما أب، وأيضاً إسحاق وهو والد يعقوب، هؤلاء هم الآباء المذكورون في هذه الآية.
وهنا نفهم أن أبوة إسماعيل ليعقوب إنما هي أبوة عمومة؛ لأن يعقوب بن إسحاق، وإسحاق أخو إسماعيل. إذن فقد أطلق الأب وأريد به العم، ويدلنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على ذلك حينما أُخِذَ عمه العباس أسيراً فقال: ردوا عليّ أبي؛ وأراد عمّه العباس.
وبعد ذلك نأتي لنقول: إننا حين نطلق كلمة الأب في أعرافنا نعلم أن اللغة التي نتكلمها لغة منقولة بالسماع، مركوزة في آذاننا، ينطق بها لساننا، والعامية وإن كانت