القرآن الكريم بقوله لهم:{فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . . سكنوا ولم يجيبوا. . ولو تمنوا الموت لانقطع نفس الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا جميعا. . قد يقول قائل وهل التمني باللسان؟ ربما تمنوا بالقلب. . نقول ما هو التمني؟ نقول إن التمني هو أن تقول لشيء محبوب عندك ليته يحدث. فهو قول. . وهب أنه عمل قلبي فلو أنهم تمنوا بقلوبهم لأطلع الله عليها وأماتهم في الحال. . ولكن مادام الحق تبارك وتعالى قال:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} . . فهم لن يتمنوه سواء كان باللسان أو بالقلب. . لأن الإدعاء منهم بأن لهم الجنة عند الله خالصة أشبه بقولهم الذي يرويه لنا القرآن في قوله سبحانه:{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ الله عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٨٠]
وقوله تعالى:{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} . . أي أن أعمالهم السيئة تجعلهم يخافون الموت. . أما صاحب الأعمال الصالحة فهو يسعد بالموت. . ولذلك نسمع أن فلانا حين مات كان وجهه أشبه بالبدر لأن عمله صالح. . فساعة الموت يعرف فيها الإنسان يقينا أنه ميت. . فالإنسان إذا مرض يأمل في الشفاء ويستبعد الموت. . ولكن ساعة الغرغرة يتأكد الإنسان أنه ميت ويستعرض حياته في شريط عاجل. . فإن كان عمله صالحا تنبسط أساريره ويفرح لأنه سينعم في الآخرة نعيما خالدا. . لأنه في هذه الساعة والروح تغادر الجسد يعرف الإنسان مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار.
. وتتسلمه إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب. . فالذي أطاع الله يستبشر بملائكة الرحمة. . والذي عصى وفعل ما يغضب الله يستعرض شريط أعماله. . فيجده شريط سوء وهو مقبل على الله. . وليست هناك فرصة للتوبة أو لتغيير أعماله. . عندما يرى مصيره إلى النار تنقبض أساريره وتقبض روحه على هذه الهيئة. . فيقال فلان مات وهو أسود الوجه منقبض الأسارير.
إذن فالذي أساء في دنياه لا يتمنى الموت أبدا. . أما صاحب العمل الصالح فإنه يستبشر بلقاء الله.