ومرة يسند إلى من جاء به:{نَزَلَ بِهِ الروح الأمين}[الشعراء: ١٩٣] .
هذه إذن تعابير متعددة، وما دواعي هذا الاشتقاق ونحن نعلم أن القرآن لم ينزل جملة واحدة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنما نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ ليباشر القرآن مهمته في الوجود الجديد، وكان ينزل كل نجم من النجوم حسب الأحداث. و «أنزل» هنا للتعدية أي نقل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ليباشر مهمته، ولذلك يقول سبحانه:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر}
ونعلم أن القرآن نزل في ليلة القدر وفي غير ليلة القدر، ولكنه نزل في ليلة القدر جميعه إلى سماء الدنيا، ثم نزل منجماً ومفصّلا في بقية أيام الثلاث والعشرين سنة التي عاشها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد نزول الوحي، فإذا ما أراد أنه أنزله من اللوح المحفوظ يأتي ب «همزة التعدية» وإذا أراد النزول والموالاة يقول: «نزّل» لأن فيها التتابع، وإذا نسبة لمن نزل به يأتي ب «نَزَل» لأن القرآن لم ينزل وحده بل نَزَل به الروح الأمين، إذن فكلها مُلتقية في أن القرآن نَزَل أو أنزِل، أو نُزِّل. وكلمة «نَزَل» تعطينا لمحة، وهو أنه جاء من أعلى، ويستقبله الأدنى. وساعة يطلب الحق منا أن ننصت لإنزال حكم يقول لنا عَزَّ وَجَلَّ:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١٥١] .